مجرّد الاشراق وعدم الحجاب في الابصار فيكفى ذلك في العلم أيضا ، فانّ اضافته لكلّ ظاهر ابصار وادراك وعلمه وبصره واحد ، إلاّ انّ علمه يرجع إلى بصره ، لا أنّ بصره يرجع إلى علمه كما في غير قاعدة الاشراق ، فانّه على قاعدة الاشراق يكون العلم عبارة عن الانكشاف وعدم الاحتجاب وهو حقيقة الابصار ، فيرجع العلم إليه ؛ وعلى غير هذه القاعدة يقال : البصر هو العلم بالمبصرات ، فيرجع البصر الى العلم.
ثمّ تعدّد الاضافات لا يوجب تكثّرا في ذاته وكذا تجدّدها لا يوجب تغيّرا في ذاته ، ف ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ) (١).
وممّا يدلّ على صحّة هذا المذهب انّه قد سبق أنّ كلّ ما هو كمال مطلق للموجود بما هو موجود يجب تحقّقه للواجب ـ سبحانه ـ ، وإذا أمكن ثبوت العلم الاشراقي الوجودي لا بصور ذاته بل بمجرّد اضافة خاصّة كانت للنفس فيجب ثبوته لواجب الوجود بطريق أولى وأتمّ ، فيدرك ذاته لا بأمر زائد على ذاته ويعلم مصنوعاته بظهور ذواتها ، وهو العلم الشهودي الاشراقى.
ثمّ انّ هذه الطريقة في العلم قد ظهرت للشيخ الالهي من بيان المعلّم الأوّل له في بعض الخلسات ـ كما اشار إليه في التلويحات / ١٥٢ DB / حيث قال : « انّي رأيت المعلّم الاول في بعض خلساتي ، فشكوت إليه من صعوبة مسئلة العلم ،
فقال لي : ارجع الى نفسك ينجلى لك! ؛
فقلت : وكيف ذلك؟ ؛
قال : انّك تدرك نفسك فادراكك لنفسك انما هو بذاتك لا بغير ذاتك حتى تكون اذن قوّة اخرى او ذات اخرى بها تدرك ذاتك ـ إذ لو كان كذلك يلزم التسلسل ـ ؛ فاذن تدرك ذاتك باعتبار اثر في ذاتك ، وهذا الاثر ان لم يطابق ذاتك فلا يكون صورتها وحينئذ ما ادركتها ؛
قلت : ولعلّ (٢) الأثر صورة ذاتي! ؛
فقال : هذه الصورة هل هي مطلقة أو مخصّصة بصفات أخرى؟ ؛
__________________
(١) كريمة ٣ ، سبأ.
(٢) الأصل : دليل.