فانّها ليست من المدركات التصورية والتصديقية.
ومنها : ما أورده الشيخ الإلهي أيضا وأجاب عنه ، وهو : انّ النظام العجيب الواقع مقتض للعلم السابق ، إذ لو لم يكن مسبوقا بالعلم لم يمكن صدوره عن الباري الحقّ ، وقد امتنع أن يكون على مجرّد البخت والاتفاق.
وحاصل جوابه : انّ وقوع النظام الأصلح الأتمّ عنه ـ تعالى ـ بسبب جودة ترتيبه الأسبق الواقع بين المجرّدات العقلية والنسب اللازمة عنها ، فانّ للعقول كثرة وافرة غير محصورة ، بل هى على وفق تكثّر الأنواع الجسمانية ، فانّ هذه الأصنام مع هيئاتها اللازمة ونسبها الوصفية ظلال لتلك الأرباب النورية ونسبها المعنوية.
وأنت خبير بأنّ حاصل هذا الايراد انّ النظام الأتمّ إنّما يجب أن يكون مسبوقا بالعلم ويكون صدوره عنه ـ تعالى ـ لأجل علمه به ، والعلم السابق لا يمكن أن يكون حضوريا ـ لعدم تعقّل حضور الشيء وانكشافه مع كونه / ١٥٥ MA / معدوما ـ ، فيلزم أن يكون حضوريا. وحاصل الجواب المذكور : انّ وقوع النظام العجيب لا يلزم أن يكون مسبوقا بالعلم ولا يجب أن يكون صدوره معلّلا له ، بل صدوره عنه ـ تعالى ـ إنّما هو لأجل حسنه وترتيبه الأنيق في الواقع.
وغير خفيّ بأنّ في هذا الجواب الزام كون مناط علمه بالاشياء الممكنة هو نفس حضور تلك الأشياء المناسبة وجودها عن وجوده ومقارنة علمه ـ تعالى ـ بالاشياء لوجوداتها وعدم تقدّمه عليها وكون علمه / ١٥٤ DA / ـ تعالى ـ بها في حال ايجادها ، لا ترتيب ايجادها على علمه بها ، فهذا من الشواهد على ذهابه إلى أنّ مناط علم الله ـ سبحانه ـ بالأشياء هو نفس وجوداتها وظهوراتها وعدم ثبوت علم كمالي له في مرتبة ذاته. فهذا من كلماته الدالّة على أنّ مذهبه هو ما نسب إليه في المشهور ـ كما وعدناك مجيئه ـ. فهذا الجواب على ما اخترناه غير صحيح.
وما صرّح به من كثرة العقول وكونها غير محصورة عددا ممّا استقرّ عليه رأيه وتفرّد به ؛ والمشهور خلافه.
ثمّ على ما اخترناه فالحقّ في الجواب عن الايراد المذكور أن يقال : نحن نسلّم انّ هذا