النظام العجيب صادر عن العلم السابق ، إلاّ أنّ العلم السابق لا يلزم أن يكون صوريا ، بل يجوز أن يكون حضوريا انكشافيا ، فكما أنّ القائلين بالعلم الحصولي يقولون : انّ تمثّل نظام الخير وارتسام صورته في ذاته ـ سبحانه ـ من لوازم ذاته ثمّ يصير هذا التمثل سببا لصدور النظام ، فنحن نقول : إنّ اصل النظام من لوازم ذاته ومن معلولاته اللازم فيضانه وترشحه عنه ، وهذه المعلولية واللازمية سبب لانكشافه عنده وظهوره لديه وإن لم يوجد بعده ، كما أنّ كون ذاته بذاته سبب لانكشاف ذاته عند ذاته ، فانّ مجرّد المعلولية كافّ للانكشاف مع قطع النظر عن الوجود العيني ، فانّ وجود الشيء في الخارج وحضوره عند المجرّد كما يكون مصحّحا للانكشاف فكذا وجود علّته وحضورها عنده يكون مصحّحا له أيضا ، بل هذا أقوى منه في باب الانكشاف. وسيجيء ـ إن شاء الله ـ لذلك زيادة بيان.
ومنها : انّه يلزم على القول بالعلم الحضوري أن لا يكون علمه ـ تعالى ـ بالأشياء فعليا ، ولا يكون صدورها عنه بالاختيار.
وأجاب عنه بعض أعاظم العرفاء : بأنّ للعلم الفعلي عندهم صورتين :
إحديها : أن يكون سببا للمعلوم بالعرض ومقدّما عليه بالتقدّم الذاتي ، كما إذا اراد البنّاء أن يبنى بيتا فتصوّر أوّلا صورته وأحدثها في ذهنه ، ثمّ اوجد البيت المطابق للصورة المحدثة في ذهنه في الخارج ؛
وثانيهما : أن يكون العالم بما هو عالم علّة بالذات للمعلوم من حيث هو معلوم ـ سواء كان أمرا ذهنيا أو عينيا ـ ، والفاعل بما هو فاعل عالما بالذات بما هو مفعول من حيث هو مفعول كذلك. فكما انّ العالم في الصورة الأولى يعلم الصورة الذهنية بنفس اختراعها وليست معلومة بصورة أخرى ـ بل نفس حصولها عنده في ذهنه نفس معلوميتها له ـ ، فكذلك العالم في الصورة الثانية يعلم العين الخارجي بايجاده وعلمه بالصورة العينية الخارجية نفس ايجاده لها. ففي الصورة الاولى العلم بالصورة حصولي فعلي والمعلوم ـ أعني : الصورة ـ معلوم بالذات والعلم بالعين الخارجى أيضا فعلي ولكن المعلوم ـ أعني : هذا العين ـ معلوم بالعرض ؛ وفي الصورة الثانية العلم بالعين الخارجى حضوري فعلي و