علما فعليا بالتفسير الثّاني لزم ما ذكره من عدم علمه ـ تعالى ـ بتلك الصور في مرتبة ذاته ـ تعالى ـ ؛ وإن لم يكن معقوليتها نفس ايجادها بل كانت معقولة بصور معقولة أخرى لزم التسلسل في الصور المعقولة ؛ وأمّا على ما اخترناه فيكون العلم السابق على الأشياء علما حضوريا فعليا ولكونه مجرّد اضافة اشراقية يكون عين ذاته ـ تعالى ـ ، ولا يكون شيئا زائدا على ذاته معلولا له ـ تعالى ـ حتّى يتوقّف على العلم السابق.
ثمّ مع كون العلم سابقا لا مجال لتوهّم نفي الاختيار ، لأنّه إذا كان الفعل مسبوقا بالعلم فلا ينافي ثبوت الاختيار بأيّ معنى كان ؛ وأمّا مع مقارنته له وعدم تقدّمه عليه مطلقا فلا يعقل تحقّق الاختيار. وما ذكره بعض العرفاء من أنّه لا يلزم في الاختيار السبق (١) الذاتي ولا الزماني للشعور والعلم على الفعل فلا يخفى ضعفه.
ومنها : انّه لو كان علم الواجب بجميع الأشياء حضوريا لكانت المادّيات من الاشخاص الجسمانية والصور الجرمانية حاضرة بالحضور الانكشافي عنده ـ سبحانه ـ ، وهذا ليس بجائز ؛ لوجهين :
أحدهما : انّ المادّي مع مادّيته واختلاطه بالغواشي المادّية وتخصيصه بموضع معين وحدّ خاصّ واختصاصه بزمان وجوه كيف يكون حاضرا عند المجرّد المتقدّس عن العوارض / ١٥٥ DA / المذكورة؟! ؛ وقد صرّح الشيخ الرئيس في الشفا بعدم جواز ذلك.
وثانيهما : انّ مدار المعقولية والعاقلية / ١٥٦ MA / عندهم على التجريد عن المادّة ـ ولذا قالوا : العلم حضور مجرّد عند مجرّد قائم بالذات ـ ، وحينئذ كيف يجوز أن يصير الاشخاص الجسمانية معقولة بأنفسها لا بالصور المنتزعة عن موادّها؟!.
والجواب : انّه كما يجوز أن يكون المادّي معلولا للمجرّد فكذا يجوز أن يكون حاضرا عنده منكشفا لديه بالإضافة الاشراقية نظرا إلى تحقّق ربط خاصّ وعلاقة وجودية بينهما ، فانّ ذلك لا يستلزم اجتماعهما في مكان أو وضع ؛ وإنّما يتحقّق ذلك إذا كان كلّ من المدرك والمدرك أو المؤثّر والمتأثّر مادّيا مكانيا. على أنّ مادّية المادّي وكونه مكانيا وزمانيا ذات وضع انّما هو بالنظر إلى مادّي آخر لا بالنظر إلى المجرّد ؛ وإلى هذا
__________________
(١) الاصل : الشيء.