أشار بعضهم حيث قال : إنّ الشيء المادّي والزماني بالنسبة إلى المادي غير مادّي ولا زماني ؛ يعنى به : انّ أثر المادّة وأثر الزمان ـ من المكان والوضع والعينية والخفاء ـ يرتفع منه بالنسبة إلى المجرّد.
ثمّ كون مدار العاقلية والمعقولية على تجريد الصورة انّما هو بالنسبة إلى الأشياء الّتي لم يتحقّق للعاقل بالنسبة إليها علاقة وجودية وتسلّط قهري وعدم الحجاب ، فاذا تحقّق ذلك يكفي للعاقلية مجرّد الاضافة الشهودية الاشراقية. وإلى ما ذكرناه مجملا أشار إليه بعض المحقّقين مفصّلا حيث قال : فان قلت : ما تقول في المعلولات البعيدة من الأمور المادّية والجزئيات الكائنة الفاسدة؟ ، وكيف يمكن حضوره عنده ـ تعالى ـ مع كونها مادّية ومختصّة بأزمنة وجوداتها وكونه ـ تعالى ـ مجرّدا ازليا أبديا؟ ؛
قلت : أمّا المادّية فقد عرفت انّ التجرّد عن المادّة ليس شرطا لمطلق التعقّل ، بل انّما هو شرط للتعقّل الارتسامي والحضوري ، ولا امتناع في حضور المادّي عند المجرّد كما أن لا امتناع في كونه معلولا له والعلّة واجبة الحصول مع المعلول. إلاّ انّه ليس المراد هو الحصول المكاني الوضعي ، بل المراد الحصول له بنفس الذات ـ كحصول المعلول عند العلّة ـ. وأمّا في الأمور الكائنة الفاسدة والزمانية ، فنقول : نسبة كافّة الزمانيات إليه ـ تعالى ـ نسبة واحدة كنسبة قاطبة الامكانيات ، وليس له ـ تعالى ـ بالنسبة إلى شيء من الزمانيات قبلية ذاتية ولا بعدية ولا مقارنة لعدم اختصاصه ـ تعالى ـ بشيء من الأزمنة ، بل وجوده محيط بكلّية الزمان ، كما ليس له بالنسبة إلى شيء من المكانيات فوقية ولا تحتية ولا مفارقة مكانية لعدم اختصاص وجوده ـ تعالى ـ بشيء من الأمكنة ، بل هو محيط بكلّية المكان. فالامتداد الزماني بطوله بالنسبة إليه ـ تعالى ـ كان واحدا كما أنّ الامتداد المكاني بفسحته بالنسبة إليه كنقطة واحدة. ولا يتوهّم انّ فيما ذكرناه التزام عدم كلّ حادث ، فانّا لا نقول : انّ كلّ حادث فهو في الازل موجود حاضر عنده ـ تعالى ـ ، بل نقول : إنّ الحادث في وقت وجوده حاضر لديه منكشف عنده مع كونه ـ تعالى ـ في الازل. وهذا الّذي ذكرت وإن كان منقولا من الحكماء إلاّ انّهم قالوا : كذلك في الشهود العلمي الّذي هو بحسب الارتسام في ذاته ، أو في شيء آخر ـ على اختلاف المذهبين ـ لا بحسب