ذات الواجب في درجة واحدة لا يتجدّد ولا يتصرّم ، بل التجدّد والتصرّم والحضور والغيبة إنّما يتحقّق للمسجونين في سجن الزمان ، وأمّا المتعالي عن الزمان والزمانيات والمتقدّس عن المكان والمكانيات فذاته منزّه عن علوق هذه الأمور به ووجوده أعلى من أن يقع في التغيّر والتجدّد ، فنسبة الواجب ـ تعالى ـ إلى زمان عدم الحادث عين نسبته إلى زمان وجوده. وما يرى في أجزاء الزمان من التقدّم والتأخّر وما يشاهد بين الحوادث من الاختلاف والتفاوت بالقياس إلى اجزاء الزمان إنّما هو مخصوص بظرف الزمان وما يقع فيه من الزمانيات ؛ وأمّا في الخارج عن ظرف الزمان فلا يتحقّق بالنسبة إليه اختلاف وتجدّد أصلا. فما يكون موجودا في وقت من الأوقات يكون حاضرا منكشفا عند الواجب أزلا وأبدا ولا يكون عدمه ـ سواء كان عدما سابقا أو لاحقا ـ متحقّقا إلاّ بالنسبة إلى موجود آخر مثله في كونه زمانيا وواقعا في جزء آخر من الزمان موصوفا بالقبلية أو البعدية الزمانيتين.
ولمّا كان درك هذا المطلب عسرا فلا بأس بأن نذيّل ما ذكرناه بتوضيح للمقام ذكره بعض العرفاء الأعلام ؛ قال ـ قدسسره ـ : قد ثبت وتبين انّ الله ـ سبحانه ـ عالم بالموجودات كلّها في الأزل على ما هي عليه فيما لا يزال علما ثابتا لا يتغيّر بتغيّر المعلوم ولا يتفاوت بحدوث وجودات الأشياء فيما لا يزال بعد فقدانها في الأزل على ما هي عندنا. وذلك لأنّه لا ينافي فقدانها في الأزل على ما هي عليه بالفعل علمه ـ تعالى ـ بها في الأزل على ما هي عليه بالفعل ، لانّه إنّما يعلمها في الأزل على ما هي عليه بالفعل بوجوهها الّتي عنده وبجميع احوالها الثابتة لها في نفس الأمر. ومن جملة احوالها الثابتة لها في نفس الأمر انّها فيما لا يزال دون أن يكون في الأزل ، وذلك لاحاطته ـ تعالى ـ في الأزل بما لا يزال وما فيه ، كاحاطته بالأزل وما فيه ، فانّه ـ جلّ وعزّ ـ محيط بجميع الأزمنة والأمكنة وما فيها من الزمانيات والمكانيات ، كما انّه محيط بما خرج عنها.
فان قلت : انّها لم تكن موجودة في الأزل ، فكيف / ١٥٩ MA / أحاط بها في الأزل؟ ؛
قلت : انّها وإن لم تكن موجودة في الأزل لانفسها وبقياس بعضها على أن يكون الأزل ظرفا لوجوداتها كذلك إلاّ أنّها موجودة فيه للواجب ـ تعالى ـ وجودا جميعا