حسب تغيّر المتجدّدات المتعاقبات ـ تعالى عن ذلك ـ ، بل نسبة ذاته الّتي هي فعلية صرفة وغناء محض من جميع ، الوجوه إلى الجميع وان كان من الحوادث الزمانية نسبة واحدة ومعية قيومية ثابتة غير زمانية ولا متغيّرة أصلا ، والكلّ بفنائه يقدر استعداداتها مستغنيات كلّ في محلّه ووقته وعلى حسب طاقته ؛ وانّما فقرها وفقدها ونقصها بالقياس إلى ذواتها وقوابل ذواتها وليس هناك امكان وقوّة البتّة ، فالمكان والمكانيات بأسرها بالنسبة إليه ـ سبحانه ـ كنقطة واحدة في معية الوجود ( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) (١) والزمان والزمانيات بآزالها وآبادها كان واحدا عنده في ذلك ؛ جفّ القلم بما هو كائن. ما من نسمة كائنه إلاّ وهو كائنة عنده. والموجودات كلّها ـ شهادياتها وغيبياتها ـ كموجود واحد في الفيضان عنه ؛ ( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ) (٢) وانّما التقدّم والتأخّر والتجدّد والتصرّم والحضور والغيبة في هذه كلها بقياس بعضها إلى بعض ، وفي مدارك المحبوسين في سيطرة الزمان المسجونين في سجن الامكان ، لا غير. وامّا قوله ـ عزّ وجلّ ـ : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (٣) فهو كما قال بعض أهل العلم : انّها شئون يبديها لا شئون يبتديها. ولعلّ من لم يفهم بعض هذه المعاني يقول : كيف يكون وجود الحادث في الأزل؟ ، أم كيف يكون المتغيّر في نفسه ثابتا عند ربّه أم كيف يكون الأمر المتكثّر المتفرّق وجدانيا جميعا؟ ، أم كيف يكون الأمر الممتدّ ـ أعني : الزمان ـ واقعا في غير الممتدّ ـ أعني : اللازمان ـ مع التقابل الظاهر بين هذه الأمور؟. فلنمثّل له بمثال حتّى يكسر سورة استبعاده ، فانّ مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحسّ والمحسوس.
قلنا : خذ أمرا ممتدا كحبل أو خشب مختلف الأجزاء في اللون ثمّ ليمرره في محاذات نملة أو نحوها ممّا يضيق حدقته عن الاحاطة بجميع ذلك الامتداد ، فتكون تلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها يظهر لها شيئا فشيئا واحدا بعد آخر لضيق / ١٥٩ MB / نظرها ، ومتساوية في الحضور عند من يراها كلّها دفعة لقوّة احاطة نظره وسعة حدقته ؛ ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) (٤). فهو ـ سبحانه ـ ادرك الأشياء جميعها في الأزل ادراكا
__________________
(١) كريمة ٦٧ ، الزمر.
(٢) كريمة ٢٨ ، لقمان.
(٣) كريمة ٢٩ ، الرحمن.
(٤) كريمة ٧٦ ، يوسف.