أصلا ، لانّ مناط العلم إذا كان ذاته بذاته بلا مدخلية أمر آخر أصلا فلا يكون اختلاف في انكشاف الأشياء في حالتي الوجود والعدم ، ولا يكون العلم ببعضها متقدّما على العلم ببعض آخر. فالعلم بالعقل الأوّل مثلا ليس مقدّما على العلم بالعقل الثاني ، لانّ جميع كمالاته ـ تعالى ـ يجب أن يكون في مرتبة واحدة هى مرتبة الذات ، وإلاّ يلزم أن يكون ـ جلّ وعزّ ـ فاقدا لبعض الكمالات في مرتبة من المراتب ، وهو محال. نعم! ، يجوز أن يكون بعض المعلومات مقدّما على بعض آخر باعتبار الوجود لا باعتبار المعلومية ، وإلى هذا أشار بعض الأعلام حيث قال : لمّا كان الواجب ـ تعالى ـ علّة لجميع ما عدا ذاته ومفيدا للوجود كله فيكون علّة مقتضية لجميع الموجودات ، ولمّا كان عالما بذاته أتمّ العلوم فيجب أن يعلم انّ ذاته علّة للكلّ ومفيدا لوجود الكلّ بوجود الكلّ وإلاّ لم يعلم ذاته أتمّ العلوم ولم يعلم ذاته من جميع الوجوه ؛ ولزم من هذا أن يعلم جميع الموجودات من العلم بذاته. كيف ولو لم يعلم الواجب ـ تعالى ـ الأشياء إلى أن يوجد يلزم أن لا يعلم الاشياء من ذاته ، وإذا لم يعلم الأشياء من ذاته علما تامّا غاب عنه بعض وجوه العلم بذاته ـ وهو انّه من شأنه أن يفيض جميع الأشياء الممكنة ـ.
وممّا يؤيّد انّ حضور ذاته ـ تعالى ـ عند ذاته هو بعينه حضور الأشياء بل أقوى من حضور الأشياء هو أنّ نسبة الأشياء الى جنابه كنسبة الظلّ إلى ذي الظلّ ، وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية ؛ فالواجب بمنزلة الأصل والأشياء بمنزلة العكس ، ولا ريب في أنّ الأصل أتمّ في شبهة العكس من العكس نفسه في ذلك ، كما يظهر من نسبة الأمر الخارجي إلى ما في المرات منه. وإذا حصل العلم من العكس بشبيه يحصل / ١٦١ MA / من الأصل بطريق أولى ؛ انتهى.
وأنت خبير بأنّ قوله : « نسبة الأشياء إلى جنابه كنسبة الظلّ ـ .. الى اخر كلامه ـ » خارج عن القواعد العقلية ولا يطابق طريقة البحث والنظر ، وليس لنا في اثبات المطلوب حاجة إليه ولا لنا طريق إلى ادراكه ، إلاّ أن يحمل كلامه على ما يرجع إلى ما ذكرناه من أنّ مراده من كون الأشياء أظلالا وعكوسا : انّها من لوازمه / ١٦٠ DA / ـ تعالى ـ المترشّحة عنه الفائضة منه. وقد ظهر ممّا ذكرناه انّ مناط علمه بذاته هو حضور