ذاته لذاته المجرّدة من جميع الجهات ، ومناط علمه بمعلولاته هو حضور علّتها عند ذاته المجرّدة البسيطة. ثمّ لما كان علّيته ـ تعالى ـ للأشياء ثابتة له في مرتبة ذاته فيكون استهلاك الأشياء واندراجها في شعاع ذاته واحاطته بها ـ إحاطة معنوية ـ ثابتا له أيضا في مرتبة ذاته ، لانّه معنى المعلولية بعينه ؛ وحينئذ يكون شهوداتها العلمية وظهوراتها الانكشافية أيضا ثابتة له في مرتبة ذاته. وهذا الظهور والانكشاف لكونه اضافة اشراقية لا يوجب تكثرا في ذاته ، وهو ـ أي : انكشاف الاشياء واشراقها عند ذاته ـ عين اشراق ذاته لذاته أو لازمه ، نظرا إلى أنّ ذاته الحقّة كما هو علّة (١) لذوات الأشياء ووجوداتها العينية فكذا اشراقه لذاته علّة لاشراق الأشياء وانكشافها لديه ، وعلى التقديرين لا يلزم تكثّر وتعدّد في ذاته ، لانّ الاشراق والانكشاف ولو كان بالنسبة إلى غير المتناهي من الأشياء أمر واحد من جميع الجهات بسيط من كلّ الحيثيات ولا يوجب تركّبا ولا تكثّرا لأنّه ممّا يزداد بازدياد التجرّد ، فزيادته من حيث الشدّة أو من حيث زيادة المتعلّق يوجب زيادة الوحدة والبساطة.
ثمّ هذا الانكشاف وإن كان تفصيليا يعلم به الأشياء بتفاصيلها (٢) وخصوصياتها إلاّ أنّه لمّا كان أمرا بسيطا وحدانيا علّة ومنشأ لصدور الأشياء المتكثّرة منه ـ تعالى ـ فيمكن أن يكون اطلاق العلم الاجمالي عليه في كلام بعض الأكابر من الحكماء ـ وتصريحهم بأنّ نسبة هذا العلم إلى الممكنات الّتي هى صور علمية مفصّلة للواجب كنسبة الاجمال إلى التفصيل ـ مسامحة لم يكن قصدهم منه إلاّ التمثيل والتشبيه ، بأن يكون مرادهم انّ هذا الانكشاف شأنه العلم الاجمالي في كونه بسيطا وحدانيا غير متكثّر وفي كونه مبدأ للتكثر. وكذا الحال فيما يقال : انّ نسبة هذا العلم إلى الممكنات وعلومها الّتي هي علوم تفصيلية للواجب كنسبة الاكسير إلى الذهب أو كنسبة حروف الهجاء إلى المركّبات أو كنسبة النوى إلى النخلة الباسقة أو كنسبة الوحدة إلى العدد أو البحر إلى الموج وغير ذلك ، فانّ جميع ذلك تمثيلات وتشبيهات لو كانت مقرّبة من وجه لكانت مبعّدة من وجه آخر.
__________________
(١) الاصل : عليته.
(٢) الاصل : معا فيها.