وأمّا الفرقة الأولى ـ وهم الذين قالوا : انّه تعالى لا يعلم نفسه ـ فشبهتهم على ذلك : انّ العلم نسبة والنسبة لا تكون إلاّ بين شيئين متغايرين هما طرفاها بالضرورة ، ونسبة الشيء الى نفسه محال ـ إذ لا تغاير هناك ـ.
وأجاب عنه بعضهم بمنع كون العلم نسبة محضة ، بل هو صفة حقيقية ذات نسبة الى المعلوم ، ونسبة الصفة إلى الذات ممكنة.
فان / ١٦٢ MA / قيل : تلك الصفة تقتضي نسبة بين العالم والمعلوم ، فلا يجوز أن يكونا متّحدين ؛
قلنا : هي نسبة تقتضي نسبة بينها وبين المعلوم ونسبة أخرى بينها وبين العالم ، وهما ممكنتان ؛ وأمّا النسبة بين العالم والمعلوم فهي بعينها النسبة بين الصفة وبين المعلوم اعتبرت بالعرض فيما بين العالم والمعلوم.
وفي هذا الجواب نظر ؛
أمّا أوّلا : فلانّه على هذا الجواب تكون صفة العلم زائدة على ذاته ، وهو باطل ؛ فانّ جميع صفاته ـ تعالى ـ عين ذاته ـ سبحانه ـ سيّما في علمه ـ تعالى ـ بذاته ، فانّه عين ذاته بلا ريب من غير امكان المغايرة.
وأمّا ثانيا : فلانّ كون الواجب عالما بذاته حين قيام صفة العلم بذاته ـ تعالى ـ ليس إلاّ باعتبار مجموع الذات والصفة ، لبداهة مدخلية كلّ منهما حينئذ في علم الواجب بنفسه ، فيكون هذا المجموع عالما ومعلوما أيضا ـ لوجوب علم الواجب بذاته ـ وبالصفة القائمة بذاته فيجب المغايرة بين العالم والمعلوم مع انّهما متحدان بالذات ، وهو المجموع.
وأمّا ثالثا : فلأن ما ذكر من اقتضاء الصفة الشيئين إن كان المراد انّه متحقّق في صورة اتحاد العالم والمعلوم وانّ النسبتين ممكنتان في هذه الصورة فهو باطل قطعا ، لانّ أحد الطرفين في النسبتين المذكورتين هي صفة العلم ـ على تقدير تحقّق النسبتين ـ والطرف الآخر في أوّلهما المعلوم وفي أخراهما العالم ، وإذا اتّحدا ـ أي : العالم والمعلوم ـ فكيف تحصل النسبتان؟ ، لانّ مناط تغير النسبتين هو تغاير الطرفين ولو في الجملة ؛ ولو قيل بكفاية التغاير الاعتباري فهو مناط الجواب ـ على ما نذكره بعد ـ ، فيلغو باقي الكلام!.