كون المعلومات بالذات ـ أعني : الموجودات العينية المعلومة بالحضور والصور الادراكية ـ علوما حقيقية نظرا إلى أنّها سبب لانكشاف المعلوم والعلم الحقيقي ما يكون سببا للانكشاف ـ كما تقدّم ويأتي أيضا ـ ، فهو مبني على ما ذهب إليه هذا القائل من كون المناط في العلم التفصيلي للواجب بالنسبة إلى الأشياء العينية هو نفس وجوداتها وحضوراتها ؛ وقد عرفت أنّ الحقّ انّ المناط في علمه بالاشياء ليس إلاّ مجرّد ذاته المقدّسة.
وأمّا الفرقة الثانية ـ وهم الذين قالوا : انّه تعالى لا يعلم غيره مع كونه عالما بنفسه ـ ، فشبهتهم في ذلك : انّ العلم يستدعي صورا مغايرة للمعلومات الخارجية متساوية لها مرتسمة في العالم ، ولا خفاء في أنّ صور الأشياء المختلفة مختلفة ، فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصور في الذات الأحدي من كلّ وجه.
والجواب عنه عند القائلين بالعلم الحضوري : انّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء ليس بارتسام صورها فيه ، بل بحضورها عنده ، وهو أقوى من العلم بارتسام صورها ضرورة انّ انكشاف الشيء على آخر لأجل حضورها بنفسه عنده أقوى من انكشافه عليه لأجل حضور مثاله عنده ؛ وعند القائلين بالعلم الحصولي انّ معقولاته صور متباينة متقرّرة في ذاته ـ تعالى ـ وذلك لا ينافي وحدته الذاتية.
وقد عرفت انّ الشيخ لقوله بالعلم الحصولي أجاب عن هذه الشبهة بهذا الجواب في الاشارات نظرا إلى أنّ ارتسام الصور في ذاته لا يوجب تكثّر الجهات فيه عنده حتّى يلزم التركيب المنافي لبساطته ووحدته. والشارح المحقّق ردّ عليه بأنّ ذلك مخالف لقواعدهم من أنّ العلم لا يستدعي صورا مغايرة للمعلومات الخارجية بقوله : « العاقل كما لا يحتاج في ادراك ذاته إلى صورة » ـ ... إلى آخر ما نقلناه سابقا مع توضيح وتنقيح ـ. وقد عرفت انّ حاصله : انّ الانسان قد يدرك ذاته وهو ليس بصورة مغايرة وكذا ادراكه للصور الّتي يعقل بها الأشياء ليس بصور مغايرة. وليس محلّية الانسان للصورة شرطا للتعقّل ، بل هو شرط لحصول تلك الصورة وهذا الحصول شرط للتعقّل ، فالمناط في تعقّل الشيء هو حصوله للمدرك بأيّ نحو كان ، فلو حصلت الصورة بوجه آخر غير الحلول حصل التعقّل ولا ريب في أنّ حصول المعلول لعلّته في معنى الحصولية أشدّ من حصول