الشيء لقابله ـ أعني : الصورة لمحلّها ـ ، فاذن المعلولات للفاعل العاقل لذاته حاصلة له من غير أن تحلّ فيه ، فيكون عاقلا لها من غير أن يكون حالّة فيه. وإلى هذا المطلب أشار في التجريد بقوله : « ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات / ١٦٢ DA / عنده ، لانّ نسبة الحصول إليه أشدّ من نسبة الصور المعقولة لنا » (١).
ولمّا كان بيان عدم استدعاء العلم صورا مغايرة سهل المأخذ ممكن الدرك بأدنى توجّه لم يلتفت إليه في التجريد. ودفع اشتراط التعقّل بالمحلية بقوله : « لانّ نسبة الحصول إليه أشدّ ـ ... الى آخره ـ ». فانّ حصول المعلول للعلّة إذا كان في باب الحصول اتمّ من حصول المقبول لقابله ومنشأ العلم ليس إلاّ حصول الشيء للعاقل فلا يجب أن يكون محلاّ له.
وإنّما توجّه لدفع هذا الاشتراط لانّ القول به هو منشأ للحكم المردود عنده ـ أعني : كون علمه تعالى بالاشياء بطريق الارتسام وتقرير صور المعقولات في ذاته تعالى ـ.
ثمّ انّه لا يخفى انّ عبارة التجريد ـ أعنى : « ولا يستدعي العلم ـ ... الى آخره ـ » ـ كما يمكن أن تكون ردّا على من نفى علمه ـ تعالى ـ بالغير مع كونه عالما بذاته يمكن أيضا ان يكون ردّا على من التزم انّ علم الواجب بالغير يستدعي صورا مغايرة للمعلومات الخارجية ـ أعني : القائلين بالعلم الحصولي ، كالشيخ وغيره ـ. بل قال بعض المشاهير : انّ حمله على ردّ من ذهب إلى أنّ علمه بالمعلولات بطريق الحصول وارتسام صورها في ذاته ـ كما ذهب إليه صاحب الاشارات ـ أنسب من حمله على ردّ من نفى علمه بالغير بعد تسليمه بانّه عالم بذاته كما ـ فعله الشارح الجديد ـ ، لانّ المحقّق في شرح الاشارات خالف صاحبه في هذا الأمر وقال : انّ علمه بالاشياء بنفس ذواتها من غير ارتسام صورها فيه ، فهذا الحمل أنسب بالنظر إلى ما اختاره في شرح الاشارات.
ثمّ أشدية نسبة الحصول إلى الفاعل من نسبة الصور المعقولة لنا يحتمل معنيين :
/ ١٦٣ MA / أحدهما : انّ حصول مجموع المعلولات الّتي منها الصور الإدراكية لفاعلها العاقل لذاته المستقل في الفاعلية أشدّ تأثيرا في الانكشاف من حصول الصور الادراكية
__________________
(١) راجع : المسألة الثانية من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢١.