حصولا من حصول الشيء لقابله ـ فهو انّ حصول الأشياء المعلولة للفاعل بالاقتضاء والوجوب ، وحصول الصور المعقولة لقابلها بالامكان ، والوجوب أشدّ من الامكان. ولمّا كان الحصول للقابل علما أو مستلزما له فيكون الحصول للفاعل علما أو مستلزما له بالطريق الاولى ، إذ عرفت انّ مدار العلم على الحصول ، فكلّما كان أشدّ كان أولى بأن يكون علما ، / ١٦٢ DB / وقد علم أنّ الحصول بالوجوب أشدّ من الامكان.
وأورد عليه : بأنّ لزوم كون الحصول للفاعل مستلزما للعلم من كون الحصول للفاعل مستلزما له ممنوع ، لانّ كون الشيء عالما بالشيء يقتضي وجود ذلك للعالم في الشهود العلمي ، ووجود المعلول في الخارج وإن كان لازما لوجود العلّة فهو لا يرتبط بالعلّة بحسب هذا النحو من الوجود ، ولا نسلّم انّ هذا الارتباط مصحّح للعلم ؛ إذ العلم بالشيء يقتضي نسبة مخصوصة ، فلا يجدي تحقق نسبة أخرى وان كانت أوكد من تلك النسبة. بل لقائل أن يقول : انّ هذا كما يقال : انّ نسبة السواد إلى قابله بالامكان وإلى فاعله بالوجوب ، والنسبة الاولى منشأ الاتصاف بالسواد ، فلا بدّ أن تكون الثانية منشأ الاتصاف به بطريق أولى ، وهذا ممّا لا يقول به عاقل!.
والجواب منه ـ كما قرّره بعض المشاهير الأعلام ـ : انّه قد مرّ انّ ما يقتضي العلم بالشيء انّما هو الحصول للمجرّد لا من حيث هو حصول ، بل من حيث هو منشأ الحضور عنده ، وليس لخصوص الوجود العيني والظلّي مدخل في ذلك الاقتضاء. ولا خفاء في أنّ صدور المعلولات عن العالم بذاته الفاعل بلا اشتراك الغير يقتضي الحصول والحضور اقتضاء أتمّ وأعلى من اقتضاء قبول القابل للعالم بذاته للصور الإدراكية لها ومن اقتضاء تعلّق النفس المجرّدة بالقوى الحسّية المصورة بالصور الإدراكية الحسّية لهما. والحاصل : انّ منشأ العلم ليس إلاّ الحصول للمجرّد والحضور عنده ، واقتضاء نسبة الفاعلية لهما أتمّ من اقتضاء نسبة القابلية وتعلّق المدبّرية لهما.
وأمّا منشأ اتصاف الشيء بأمثال السواد فانّما هو القيام بالموصوف ، لا مطلق الحصول سواء ارتبط بـ « في » أو بـ « اللام » أو بـ « من » ؛ بخلاف منشأ العالمية ، فانّه ليس الحصول المخصوص بالحلول في المجرّد ، بل هو شامل له وللحصول له وللحصول عنده. و