الحاصل : انّ اتصاف الشيء بالسواد وصدق الأسود عليه لا يحصل / ١٦٣ MB / بمحض الوجود الرابطي ـ سواء كان الارتباط بـ « في » أو بـ « اللام » أو بـ « من » أو بـ « عند » ـ ، بل لا بدّ فيه من ارتباط خاصّ هو الارتباط بـ « في » بالقياس إلى محلّ مادّي لا غير.
وهذا لا يتصوّر إلاّ في قابل السواد لا في فاعله المجرّد ؛ بخلاف العلم ، فانّ منشأه هو الارتباط بحصول المعلوم للذات المجرّدة القائمة بذاتها أيّ حصول كان. ولا ريب في أنّ الارتباط الحاصل من حصول المعلول للعلّة أشدّ من سائر الارتباطات ، فيكون حصول العلم منه أتمّ وآكد.
ثمّ اعلم! ، انّه على ما اخترناه ليس الحصول بالفعل للمعلول في الخارج شرطا للانكشاف ، بل الربط الحاصل بينه وبين العلّة وكونه بحيث من شأنه أن يحصل منها كافّ لانكشافه عندها في مرتبة ذاتها ، لما عرفت من أنّ المناط في الانكشاف إمّا حضور المعلوم بنفسه عند المدرك ، أو حضور ما هو أقوى منه في باب الانكشاف ـ أعني : حضور علّته ـ ، ومناط انكشاف الأشياء عنده ـ تعالى ـ هو الثاني ـ أعني : ذاته بذاته من حيث انّه علّة ومقتض لها ـ. ولمّا كان الاقتضاء ثابتا له في مرتبة ذاته فيكون الانكشاف ثابتا له أيضا في هذه المرتبة ، ولا يتوقّف على سبق صورة خارجية أو عقلية كما لا يتوقّف ايجاده للأشياء وابداعه إيّاها على سبق مادة خارجية ، فانّ الذات إذا كانت بحيث تصدر عنه الأشياء من غير مادّة نظرا إلى اقتضائه التامّ لها واندراجها فيه ، فيكون بحيث ينكشف له الأشياء أيضا لذلك ؛ كما لا يخفى.
ثمّ اعلم! ؛ انّ للعلم ثلاثة معان :
أحدها : المعنى الانتزاعى الاضافي المصدري الّذي اشتقّ منه « علم » و « يعلم » و « عالم » ، وهو الاضافة الاشراقية ؛
وثانيها : ما ينكشف به الشيء ، وهو المعبّر عنه عندهم « بالعلم الحقيقي » ؛
وثالثها : ما يقتدر به على استحضار المنكشفات بالذات.
وإذا علمت ذلك فنقول : على ما اخترناه لا ريب في أنّ العلم بالمعنى الثالث لا يجوز