تحقّقه في الواجب ، لانّه بمعنى الملكة الّتي يقتدر بها على استحضار الأشياء. نعم! ، لمّا كان العلم بهذا المعنى هو العلم الاجمالي على الاحتمال الثاني ـ كما مرّ ـ فيكون ثابتا له ـ تعالى ـ عند القائل به.
وأمّا الأوّلان فموجودان فيه ـ تعالى ـ ، وكلاهما عين ذاته ـ سبحانه ـ ؛
وأمّا الثاني فلأنّ ذاته بذاته هو الّذي ينكشف به الأشياء من غير توقّف على شيء آخر من الصور أو نفس وجودات الأشياء ـ كما قرّرناه ـ. فالعلم بهذا المعنى هو عين ذاته المقدّسة من دون تغاير أصلا ، فيتّحد العلم والعالم والمعلوم ؛
وأمّا الأوّل ـ وهو الاضافة الاشراقية ـ فتحققها له ـ تعالى ـ ظاهر ، لما ذكرنا مرارا من وجوب وجود / ١٦٣ DA / الانكشاف له ـ تعالى ـ في مرتبة ذاته. وأمّا كونها عين ذاته فلأنّ مرادنا من عينية الصفات الانتزاعية الاضافية أن يكون منشأها ومبدأ انتزاعها مجرّد الذات ، ولا ريب في أنّ مبدأ انكشاف الأشياء ومنشأها ليس إلاّ ذاته بذاته من دون مدخلية شيء آخر من صورة أو عين خارجية ، فيتّحد العلم والعالم بهذا المعنى أيضا على النحو المذكور.
وبما ذكر يندفع سؤال مشهور ممّا يورد في هذا المقام ، وهو : انّ صيغة العالم مشتقّ من العلم ، فوجب أن يكون العلم قائما بالعالم ، فلا يصحّ أن يكون عين العالم.
ووجه اندفاعه : انّ صيغة العالم انّما يشتقّ من العلم الانتزاعي المصدري وعينيته للذات انّما بمعنى كون الذات وحدها منشأ لانتزاعه ومبدأ له ، وقيام المعنى الانتزاعي بالشيء معناه أن ينتزع منه ، ومعلوم انّ القيام والعينية بهذا المعنى غير متنافيان ، فيمكن اجتماعهما. وأمّا العلم الحقيقي الّذي هو عين العالم بالذات فلا يشتقّ منه شيء ، وإن جعل صفة العالم مأخوذة منه كان اشتقاقه جعليا ، وهو ما لا يقوم مبدأ الاشتقاق بذات المشتقّ بل يكون المشتقّ بمعنى ما ينسب إليه المبدأ ـ سواء كان عين المبدأ القائم بنفسه ، أو ارتبط المبدأ به (١) ـ ؛ فالعالم بمعنى ما ينسب إليه العلم الحقيقي ـ سواء كان عين العلم القائم بنفسه أو ارتبط به ـ. نظير ذلك ما قيل في صفة الموجود المأخوذ من الوجود الحقيقي.
__________________
(١) الاصل : المبدئية.