والحاصل : انّ المشتقّ الجعلي هاهنا ـ أعني : العالم المأخوذ من العلم الحقيقي ـ امّا أن يكون عين العلم ـ كما في اطلاق العالم بهذا المعنى على الشيء باعتبار علمه بذاته ـ ، كاطلاق العالم على الواجب ـ سبحانه ـ باعتبار علمه بذاته ، فانّ العلم الحقيقي والعالم حينئذ متحدان بالذات ولا يكون عين العلم ، بل يكون العلم مرتبطا به ، كما في اطلاق العالم على الشيء باعتبار قيام العلم ـ لا بالمعنى المصدري ـ بذاته أو بشيء من قواها ، كاطلاق العالم على النفس باعتبار قيام الصورة العلمية بذاتها ، أو باعتبار ارتسامها في شيء من قواها. ومن هذا القبيل اطلاق العالم على الواجب ـ سبحانه ـ باعتبار علمه ـ تعالى ـ بالأشياء الموجودة الحاضرة عنده ـ تعالى ـ عند من يجعل مصحّح الانكشاف ومنشأه نفس وجودات الأشياء ، فانّ العلم الحقيقي عنده حينئذ هو اشياء العينية وهي ليست عين العالم بل مرتبط به وكذا / ١٦٤ MA / الحالّ في علمه ـ سبحانه ـ بالغير باعتبار قيام الصور في موجود آخر.
ثمّ جعل العالم باعتبار قيام الصور بذاته جعليا مع أنّ المبدأ حينئذ قائم بالمشتقّ مبني على أنّ (١) المشتقّ الجعلي هو أن لا يقوم بذاته مبدأ الاشتقاق المصدري ـ سواء لم يقم به مبدأ الاشتقاق أصلا أو قام به مبدأ اشتقاق لم يكن مصدريا ـ ، فاطلاق العالم على الشيء باعتبار قيام الصورة العلمية به أو باعتبار كونه صاحب الملكة الراسخة الّتي يقتدر بها على استحضار العلوم المفصّلة اشتقاقه جعلي أيضا. وكون اشتقاقه واقعيا حقيقيا غير جعلي انّما ينحصر بصورة كون العلم ـ بالمعنى المصدري الانتزاعي ـ قائما به.
ثمّ جميع ما ذكر إنّما هو على ما اخترناه ، وامّا على ما ظهر من كلام الشيخ الاشراق وذهب إليه العلاّمة الطوسي من كون الحصول بالفعل للأشياء شرطا لانكشافها عنده ، وكون المناط في معقولية الأشياء هو نفس وجوداتها ، فلا يكون ذات الواجب هو العلم بالمعنى الثاني ـ أعني : العلم الحقيقي ـ ، بل العلم الحقيقي حينئذ هو ذات الأشياء العينية ؛ ولذا قيل : انّ العلم الحقيقي مفسّر عندهم بالحاضر بالذات عند المدرك أو غير الغائب عنه ، أو غير مخفيّ عنه. وعلى القول بالعلم الحصولي لمّا كان مناط الانكشاف وما ينكشف به
__________________
(١) الاصل : السبب.