عليه الوجود ـ حاصلة فيها كان الأوّل الواجب تعقل تلك الجواهر مع تلك الصور ، لا بصور غيرها ، بل بأعيان تلك الجواهر والصور وكذلك الوجود على ما هو عليه. فاذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة من غير لزوم محال من المحالات المذكورة. فهذا أصل إن حقّقته وبسطته انكشف لك كيفية احاطته ـ تعالى ـ بجميع الأشياء الكلّية والجزئية ـ إنشاء الله تعالى ـ ؛ و( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) (١) ، (٢) ؛ انتهى.
وهذه العبارة وان نقلناها سابقا إلاّ أنّا نقلناها هاهنا أيضا لتوقّف بيان ما نحن بصدده عليه.
فنقول : يرد على ما ذكره ـ رحمهالله ـ : انّ هذا ـ كما مرّ ـ يقتضي عدم تحقّق الانكشاف له ـ تعالى ـ في مرتبة ذاته مع كونه من الصفات الكمالية ، بل يلزم على هذا أن لا يكون علم عين ذات الواجب أصلا ، لأنّ العلم بالمعنى الثاني ليس إلاّ عين المعلولات ـ على ما ذكره ـ ، ومعلوم انّ ذات الواجب ليس عين معلولاته. وأمّا العلم بالمعنى الأوّل وهو الاضافة فليس عنّا لشيء من المدرك والمدرك. نعم! ، على ما ذكرناه من أنّ المراد من عينية الصفات الاضافية الانتزاعية لشيء هو كون ذات هذا الشيء بذاته من دون مدخلية شيء آخر مبدأ ومصحّحا لها ومنشأ لانتزاعها يكون العلم بالمعنى الاضافي المصدري ـ على ما ذكروه ـ عين المعلوم ، لا عين العالم ، لعدم كون ذاته ـ تعالى ـ منشأ للانكشاف حينئذ ؛ بل المبدأ والمصحّح عندهم هو / ١٤٦ MB / نفس وجودات الأشياء. نعم! ، إن قالوا بالعلم الاجمالي على الاحتمال الثاني يكون ذاته ـ تعالى ـ عين العلم بالمعنى الثالث ـ اعني : ما يقتدر به على استحضار المنكشفات بالذات ـ ، وقد عرفت انّ كلام المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم يدلّ على ذلك ، إلاّ أنّك قد عرفت ما يرد على هذا القول.
وبما ذكرناه ظهر انّ قوله ـ رحمهالله ـ : « فاذن وجود المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل إيّاه » ليس على ما ينبغي ، لانّ مناط تعقّل الأشياء إذا كان ذاته بذاته فلا يكون
__________________
(١) كريمة ٥٤ ، المائدة.
(٢) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ج ٣ ص ٣٠٦.