وجود المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل ـ تعالى ـ إيّاه ، بل يكون ذاته بذاته هو نفس تعقّله للمعلول الأوّل إذا حمل التعقّل على المعنى الأوّل الاضافي وحمل التعقّل على المعقول حتّى يكون المراد أنّ وجود المعلول الأوّل هو نفس المعلول له ـ تعالى ـ من دون أن تحلّ صورة منه فيه توجيه بما لا يرضى الخصم ، لأنّ مذهبه ـ رحمهالله ـ انّ ما ينكشف به الأشياء هو نفس تلك الأشياء ويلزمه كون وجود المعلول نفس تعقل الواجب ايّاه. وممّا يرد عليه ـ رحمهالله ـ ؛ انّ قوله : « فاذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة » وقوله : « انكشف لك كيفية احاطته بالأشياء الكلّية والجزئية » يدلّ على أنّ الواجب ـ سبحانه ـ عالم بالجزئيات لارتسام صورها في الجواهر العقلية ـ لتصريحه بأنّ علمه بالأشياء الّتي غير الجواهر العقلية انّما هو بارتسام صورها في تلك الجواهر ـ ، فيلزم كون صور الجزئيات ـ سواء كانت مجرّدة أو مادّية ، متشكّلة أو غير متشكّلة ـ مرتسمة في تلك الجواهر ، وهو خلاف ما تقرّر عند الحكماء من امتناع حصول صورة المتشكّل إلاّ في آلة جزئية متجزّئة جسمانية ؛ فلا بدّ له إمّا القول بالاكتفاء بالعلم الاجمالي ؛ أو مخالفته للمشهور والتزام حصول صور المتشكّلات في الجواهر العقلية ، وإرادة ما يتناول النفوس أيضا من الجواهر العقلية.
ثمّ لمّا كان مذهب شيخ الاشراق ـ على ما / ١٤٦ DA / عرفت ـ هو أنّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء بأسرها إنّما هو بحضور ذواتها ، ومذهب المحقّق إنّ العلم بالصادر الأوّل انّما هو بحضور ذاته وبما عداه من المعلولات البعيدة إنّما هو بارتسام صورها فيه ، فيرد على الأوّل ـ كما عرفته مرارا ـ عدم تحقّق علمه بشيء في مرتبة ذاته ؛ وعلى الثاني يرد ذلك مع لزوم افتقار الواجب في العلم بالمعلولات البعيدة الى الصادر الأوّل والى الصور المرتسمة فيه ؛ وأيضا لا يكون صدور الصادر الأوّل عنه بالاختيار لعدم كونه مسبوقا بالعلم حينئذ ومسبوقيته بالعلم الاجمالى بمعنى تمكّنه من العلم به بعد ايجاده لا يفيد ، لأنّ التمكّن غير الانكشاف بالفعل الّذي يجب تحقّقه في الصدور بالاختيار.
ثمّ الظاهر من كلام المحقّق في شرح رسالة العلم التزام عدم كون العلم سببا للمعلوم وعدم توقّف الصدور بالقدرة والاختيار على مسبوقيته بالعلم ، حيث قال في