مسئلة أن العلم هل يصلح ان يكون مؤثّرا كالقدرة أم لا : « الايجاد هو اصدار وجود الشيء عن علّته ، والعلم ـ كما سبق بيانه ـ هو حضور الشيء عنده ، وإذا كان الشيء قد صدر وجوده عن الشيء فقد حضر عنده ، فيكون باعتبار صدوره مقدورا له وباعتبار الحضور عنده معلوما له ، والجهة الّتي باعتبارها صدر يسمّى بالقدرة والّتي باعتبارها حضر يسمّى بالعلم. والاعتباران عقليان مضافان إلى شيء واحد من جهتين ». ثمّ قال : « وفرق بين القدرة وبين الايجاد والتأثير ، فانّ القدرة لا يقال إلاّ عند كون المؤثّر بحيث يصحّ منه التأثير ، والايجاد والتأثير يعمّ ذلك ويشمل كون الموجد والمؤثّر بحيث يجب عنه الايجاد والتأثير. فاذا لوحظ الايجاد من غير اعتبار العلم والإرادة فالأولى أن يوصف بالقدرة ، فانّ الايجاد عندنا يصحّ وعند اعتبار العلم والإرادة يجب » (١) ؛ انتهى.
وهذا الكلام ـ كما ترى ـ يدلّ على أنّ العلم لا يجب أن يكون سابقا على الايجاد ؛ وقد عرفت فساد ذلك.
وبما ذكرناه يظهر ضعف ما ذكره العلاّمة الخفري في توجيه كلام المحقّق حيث قال ما توضيحه : انّه من السؤالات المشهورة انّ التحقيق الّذي هو مختار المحقّق الطوسي يقتضي أن يكون الصادر الأوّل غير مسبوق بالعلم ، فيلزم أن لا يكون صدوره عنه بالاختيار ـ لأنّ الصدور الاختياري متوقّف على تقدّم القصد المستلزم للعلم ـ ؛
فيحتاج في دفع هذا الفساد أن يقال : هو ـ أي : الصادر الأوّل ـ من حيث هو علم متقدّم عليه وسبب له من حيث هو معلول في الخارج وفيه تكلّف ، بل هو محال! ، لاستلزامه كون الشيء علّة لنفسه. والتغاير الاعتباري لا يكفى في ذلك. مع أنّ هذا القول لدفع هذا الفساد أولى ممّا يقال في دفعه من : أنّ وجود الصادر الأوّل في الخارج وإن كان عين العلم بالذات لكنّه يغايره بالاعتبار ، فهو من حيث انّه علم متقدّم عليه وسبب له من حيث كونه وجودا في الخارج. ووجه الأولوية انّ حيثية المعلولية مغايرة لحيثية المعلومية مغايرة ظاهرة ، فالقول بتقدّم إحدى الحيثيتين على الأخرى ـ كما هو
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤١.