الّتي يتميّز بها إلى تلك الأشياء ، بل نسبة الواجب إلى الأشياء أشدّ في باب التميّز والانكشاف من نسبة الصور إلى ذوات الصور لما عرفت من أنّ حضور العلّة أقوى في انكشاف المعلول من حضور نفس المعلول فيه ، فضلا عن صورته. فعلم الواجب بذاته مستلزم للعلم بجميع معلولاته مفصّلة ، ولا تفاوت بالنسبة إلى معلوم دون معلوم. نعم! ، التفاوت انّما هو في المعلومات بأن يكون بعض منها سببا لبعض آخر ، وليس بالتفاوت فيما بينها بحسب الانكشاف. فما ذكره من أنّ علمه بذاته الّذي هو عين ذاته علم تفصيلي بالنسبة إلى الصادر الأوّل صحيح ، وأمّا ما ذكره من أنّه علم اجمالي بالنسبة إلى الجميع غير صحيح ـ لما عرفت من فساده ـ. وأيّ فرق في ذلك بين الصادر الأوّل وبين غيره مع اشتراك المصحّح؟!.
فان قيل : المصحّح هو الاقتضاء التامّ والعلّية المستقلّة وما هو إلاّ الاقتضاء بلا واسطة ، فلمّا كان الواجب علّة للصادر الأوّل بلا واسطة فكان العلم بذاته علما تفصيليا بالنسبة إليه بخلاف سائر المعلولات ، فانها لتوقّفها على غيره ـ سبحانه ـ لا يكون الواجب مقتضيا لها بلا واسطة ، فلا يتحقّق الاقتضاء التامّ الّذي هو مناط الانكشاف بالنسبة إليها ؛
قلنا : لا ريب في أنّ الواجب ـ تعالى ـ علّة مستقلّة ومفيض تامّ لجميع الأشياء ، وتخلّل الوسائط في بعضها لنقصان ذاته وجوهره لا ينافي تمامية الاقتضاء. مع أنّ مجرّد الاقتضاء مصحّح للانكشاف كما انّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ولو توقّف المعلول على غير علّته من الشروط والآلات.
ثمّ من الأفاضل من قال في هذا المقام : « انّ كون ذاته ـ تعالى ـ علما تفصيليا بالصادر الأوّل ليس بمعقول أصلا ، لانّ المراد بالعلم التفصيلي هو العلم الحقيقي المفسّر بالحاضر بالذات ، أمّا ذات الشيء الخارجى إن كان العلم حضوريا أو صورة مطابقة له إن كان حصوليا وذاته ـ تعالى ـ لا يمكن أن يكون عين ذات الصادر الأوّل وصورة مطابقة له فكيف يكون علما تفصيليا به؟. نعم! ؛ ذاته ـ تعالى ـ علم بالصادر الأوّل وبجميع الموجودات بالمعنى الثالث من المعاني المذكورة ـ وهو ما يقتدر به على استحضار