يجري في جميع الموجودات ولا تخصيص له في المعلول الأوّل ـ كما ذكره هذا الفاضل ـ أيضا. واجرائه في الجميع لا مفسدة فيه ، بل هو الصحيح المطابق للقواعد العقلية والملية ؛ فما توهّمه بعض الطلبة حقّ ولا شناعة فيه!.
ثمّ نقل العلاّمة الخفري كلام الشيخ متّصلا بما ذكره في توجيه كلام المحقّق إنّما هو لاستشهاد انّه لا بدّ من العلم المتقدّم البتّة ، وإنّ القوم قالوا به ؛ فلا بدّ حينئذ من القول به على وجه يكون صحيحا. ولا يصحّ بوجه إلاّ بأن يكون تفصيليا بالنسبة إلى الصادر الأوّل وإجماليا بالنسبة إلى غيره. ويمكن أن يكون النقل لمجرّد استشهاد انّ العلم الاجمالي ممّا قال به الشيخ أيضا ، لأنّه صريح بأنّ نسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود كنسبة البناء إلى الصور البنائية ، ولا ريب في أنّ الصورة البنائية صورة واحدة بسيطة. فيكون علما إجماليا بالبناء الخارجي. فكما انّ البناء في وجوده الخارجي صادر عن تلك الصورة الواحدة المرتسمة في البناء كذلك يصدر من الواجب كلّ شيء فالواجب ـ تعالى ـ مبدأ تفصيلات الممكنات ، فهو بذاته مع وحدته مبدأ لتلك التفصيلات ، فعلمه بذاته علم اجمالي بالنسبة إليها بأسرها كالعلم البسيط بالنسبة إلى العلوم المفصّلة مع كونه في غاية التجرّد ونهاية البراءة من القوّة.
وقيل إنّ غرض العلاّمة من نقل كلام الشيخ الاستشهاد على كلا الأمرين ـ أعني : كون علمه تعالى بالصادر الأوّل تفصيليا وبما عداه إجماليا ـ ؛
أمّا الأوّل : فلأنّ المعنى المعقول إذا لم يؤخذ من الموجود الخارجي وكان من مخترعات النفس العاقلة إيّاه لم يكن اختصاصه وتميّزه بمطابقته للموجود الخارجي ، بل بمحض اقتضاء النفس العاقلة ايّاه ، وكان بما اقتضته النفس بخصوصه علما تفصيليا به سابقا عليه ؛ فكذا الحال في المعلول الأوّل بالنسبة إلى الواجب ؛
وامّا الثاني : فلأنّ نسبة الكلّ إليه إذا كانت كنسبة البناء إلى الصورة البنائية فكما أنّ الصورة البنائية علم تفصيلي بالبناء وعلم اجمالي بجميع جزئيات ما في البناء كذلك ذاته ـ تعالى ـ علم تفصيلي بالمعلول الأوّل وعلم اجمالي بجميع ما ارتسم صورته فيه من حقائق الموجودات ؛ انتهى.