كانت جزئية أو صورا ادراكية كلّية ، فلا يخصّ بالجزئيات.
وأورد عليه : بأنّ مناط اجراء الدليل هو كون الشيء موضوعا للتغير والجزئيات الغير المادية ـ كالنفوس الناطقة والصور المعقولة من حيث هي معقولة ـ وكذا الكلّيات ليست موضوعة للتغير ، لما اشتهر بينهم من أنّ غير المادّيات لا يكون إلاّ ثابتا محضا والمتغيّرات لا تكون إلاّ المادّيات.
واجيب عنه : بأنّه لا ريب في أنّ الصور الحالّة الكلّية في النفس لا تكون مادّية ، لأنّ الصور المادية لا تحلّ في المجرد ـ كما هو المقرّر المشهور عندهم ـ ، بل هي إنّما تحلّ في قوى النفس الّتي هي أيضا مادّية. ولكن الصور الكلّية الحالّة في النفس لها اعتباران : أحدهما : من حيث انّها حالّة في النفس ، وبهذا الاعتبار تكون جزئية ؛
وثانيهما : أن توجد من حيث هي هي من غير اعتبار حلولها في النفس. وهي بهذا الاعتبار تكون كلّية وكلّيتها ليست إلاّ بهذا الاعتبار.
وإذا عرفت ذلك فنقول : انّ الصور الكلّية الحالّة في النفس إذا اخذت بالاعتبار الأوّل تكون جزئية غير مادّية ، وهو ظاهر ؛ وتكون متغيرة أيضا ، لأنّ حصولها متجدّد للنفس ، لانّ النفس قد تذهل عنها أو تزول تلك الصورة عنها كما في صورة نسيانها متجدّدا غير مادّي يكون متغيّرا ، والدليل المذكور كما يجري في المادّيات الجزئية المتغيّرة يجري في الجزئيات الغير المادّية المتغيّرة أيضا ؛ بيان ذلك : إنّ قبل حصول الصورة المعقولة للنفس كان الواجب ـ تعالى ـ عالما بأنّه ليس تلك الصورة الحاصلة لها ، فبعد حصولها لا يخلو : إمّا أن يزول ذلك العلم ، أم لا ؛ والأوّل يوجب التغير ، والثاني يوجب الجهل ؛ وكلاهما محال.
وبما ذكر يظهر انّ ذات النفس أيضا متغيرة ، إذ حصولها للبدن وتعلّقها به متجدّد فيجري فيها الدليل المذكور بعين ما ذكر ، فثبت انّ الجزئيات الغير المادّية ـ كالنفوس والصور المعقولة والصور الكلّية أيضا ـ متغيرة. فمرادهم من غير المادّيات فيما اشتهر بينهم من « انّ غير المادّيات لا يكون إلاّ ثابتا محضا » هو المجرد ذاتا وفعلا ـ أعني : العقول وصفاتها ـ. وأمّا النفوس فلمّا كانت لها تعلّق بالمادّة فيكون لها ولصفاتها شوب مادية ،