ليس إلاّ معلومية أمر على وجه يطابق الواقع ، والمعلوم هو كون زيد في آن قبل هذا في الدار ، والامر كذلك في الواقع. ولا يلزم أيضا تغيّر العلم ، بل اللازم تغيّر المعلوم فقط.
والحاصل انّ نقيض الشيء رفعه ورفع العلم بأنّ زيدا كان في الآن الفلاني في الدار يتصوّر من وجهين :
أحدهما : أن يزول العلم بكون زيد في الدار في ذلك الآن الفلاني الّذي كان العلم أوّلا تعلّق بكونه في الدار في ذلك الآن ؛
وثانيهما : أن يعتقد انّ زيدا لم يكن في الدار في شيء من الأزمنة والآنات ، ففي تلك الصورتين يلزم زوال العلم الأوّل ورفعه. وأمّا إذا اعتقد انّ زيدا كان في الآن الفلاني في الدار وفي آن آخر بعد ذلك الآن أو قبله لم يكن في الدار لم يلزم تناقض ولم يلزم رفع العلم بكون زيد في الدار في الآن الفلاني ، فيمكن ارجاع العلمين ـ أي : العلم بكون زيد في الدار والعلم بأنّه لم يكن في الدار ـ إلى تغاير الآنين ؛ فبقاء العلم الأوّل بحاله عند حصول العلم الآخر لا يكون موجبا للجهل. وبذلك يظهر انّ الدليل المذكور لا ينتهض حجّة للزوم التغيّر في ذاته ـ تعالى ـ إذا علم الجزئيات المتغيّرة.
ثمّ قال الخفري : « ويمكن حمل الدليل المشهور المذكور على هذا التقرير بصرفه عن الظاهر ».
وغير خفي بأنّ بناء الدليل المشهور المذكور أوّلا إنّما على توهّم وقوع التجدّد في اجزاء الزمان بالنسبة إليه ـ تعالى ـ أيضا كما هو بالنسبة إلينا ـ على ما زعمه الجمهور ـ. ولا ريب حينئذ في لزوم التغير بالنسبة إليه ـ تعالى ـ أيضا ، فانّ توضيح الدليل المذكور حينئذ : انّه لا شكّ في أنّ زيدا إذا كان في الدار في الآن كان في الدار في وقت معيّن ونحن نحكم في ذلك الوقت المعيّن الّذي هو الآن بالنسبة إلينا بأنّ زيدا في الدار في الآن ، فإذا انقضى ذلك الوقت وخرج زيد عن الدار وتجدّد علينا وقت آخر هو الآن بالنسبة إلينا فنحن نحكم في ذلك الوقت الآخر ـ الّذي هو الآن حينئذ بالنسبة إلينا ـ بأنّ زيدا ليس في الدار في الآن ، ولو حكمنا بأنّ في الدار الآن كان ذلك باطلا. وحينئذ فقد زال عنّا الحكم الأوّل ـ أعني : انّه في الدار الآن ـ وحصل الحكم الثاني ـ أعني : انّه ليس في الدار الآن ـ.