وتغاير الآنين لا يمنع زوال الحكم الأوّل بالثاني ، كما لا يخفى. فالحكم الأوّل ـ أعني : كون زيد في الدار في الآن ـ زائل عنا البتّة. وبقاء العلم بأنّه كان في الدار في الآن الزائل لا يفيد ، لأنّ هذا العلم ليس العلم الأوّل بل هو علم متجدّد ، فانّ العلم بأنّ زيدا كان في الدار في الآن الّذي انقضى علم آخر تجدّد لنا بعد العلم بأنّه كان في الدار في الآن ، والحكم بأنّه كان في الدار في الآن الّذي انقضى حكم آخر غير الحكم بأنّه في الدار الآن. والسبب في ذلك هو وقوعنا في الآن أوّلا ثمّ بعد انقضائه وقوعنا في الآن الآخر ثانيا ـ لكوننا زمانيّين ـ. فلو كان الواجب أيضا مثلنا في ذلك الوقت ـ كما زعمه الجمهور ـ كان ذلك الزوال ـ أعني : زوال الحكم الأوّل ـ في حقّه ـ تعالى ـ أيضا لازما ، فلا ينفع في ذلك كونه عالما بأنّ زيدا في الوقت السابق كان في الدار ، فانّ ذلك كما عرفت ـ حكم آخر غير الحكم الزائل ، فالتغيّر لازم البتّة!.
وإذا عرفت ذلك فنقول : لا ريب في انّ تقرير العلاّمة الخفري منطبق على هذا التقرير ، لأنّه أيضا مبنيّ على توهّم التجدد في أجزاء الزمان بالنسبة إليه ـ تعالى ـ. ويظهر ذلك الانطباق بأن يمثّل للجزئي الغير الحاضر في آن في تقرير الخفري (١) بكون زيد في خارج الدار وللجزئى الحاضر في ذلك الآن بكون زيد في الدار ، ويجعل « البعدية » المستفادة من قوله : « ثمّ حضر عندنا ذلك الجزئى الأوّل بعد حضور الجزء الثاني » على البعدية الزمانية. وحينئذ يؤول حاصل تقرير الخفري إلى التقرير الّذي أوردناه توضيحا للدليل المشهور المذكور أوّلا. وحينئذ فحمل الدليل المشهور على تقرير الخفري لا يحتاج إلى صرفه عن الظاهر / ١٦٧ MB / ـ كما ذكره ـ.
وممّا يوضح ما ذكره ما ذكره بعض الأعلام حيث قال : / ١٦٧ DA / لا شكّ في أنّ كلاّ من الحوادث المتغيّرة له اختصاص بزمان هو ظرف وقوعه ، فإذا فرضنا أنّ اليوم الّذي هو وقت تكلّمنا هذا ظرف لوجود حادث معيّن فنقول : انّك إن تأمّلت وجدت هناك معلومين :
أحدهما : كون هذا الجزء من الزمان ظرفا لهذا الحادث ، وهو معنى حقيقي لا يتغيّر
__________________
(١) الاصل : + كيف.