الوجه الجزئي ؛
وثانيهما : من جهة الاحاطة بجميع الأسباب والعلل المتسلسلة المنتهية إلى الاشخاص الجسمانية. وهذا العلم يعبّر عنه بالعقل التامّ الغير الزماني وبالعلم الجزئي على الوجه الكلّي ، إمّا لأنّه كتعقّل الطبائع الكلّية في الثبات على حالة واحدة ، أو لأنّ المراد من الوجه الكلّي هو انّ الواجب ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات بالكلّية ـ أي : بجميعها ـ بحيث لا يعزب عنه ـ تعالى ـ شيء منها ، لا انّه يعلم بعضها ويعزب عنه بعض آخر ، فلا يتصوّر في عدم علمه تنقّل من معلوم إلى معلوم آخر ـ كما هو شأن الممكن ـ. وكما انّ القسم الأوّل لا يكون إلاّ انفعاليا كذلك القسم الثاني لا يكون إلاّ فعليا ، فالمعلوم في القسم الثاني مرتّب على العلم وفي القسم الأوّل بالعكس ، ولاجل ذلك لا يكون القسم الثاني يتغيّر بتغير المعلوم ولا يتجدّد بتجدّده أصلا ، والمتغير والمتجدّد والزماني انّما هو المعلوم دون العلم. وهذا هو العلم التامّ الّذي أتم العلوم كلّها وأكملها والعلم التامّ بالعلّة التامّة إنّما يوجب العلم التامّ بالمعلول ، لا أنّه يوجب الإحساس بالمعلول ، بل الإحساس قد يكون مستحيلا كما بالنظر إلى الواجب ـ تعالى ـ ، لانّ الإحساس لا يكون إلاّ بالقوة الهيولانية ـ كالحواس الجسمانية ـ وهو نقص على الواجب ـ تعالى ـ. وهذان القسمان من العلم وإن كانا نحوين من العلم إلاّ أنّ المعلوم بهذين العلمين ليس إلاّ أمرا واحدا بعينه ، فالاشخاص الجسمانية الّتي نعلمها علما احساسيا جزئيا يعلمها الواجب علما تعقّليا من جهة الاحاطة بجميع الأسباب والعلل ، والعلم الاحساسي يكون متغيرا ومتجدّدا بتغير المعلوم وتجدّده بخلاف العلم التعقّلى ؛ انتهى.
فان قيل : العلم بالأشياء إذا كان حاصلا من العلم بعلّتها لم يمكن أن يكون الأشياء معلومة بهذا العلم لوجوداتها العينية وعلى الوجه / ١٧٣ MA / الجزئى ، لأنّ العلم الحاصل بالمعلول من العلّة إنّما يتصوّر بأن يعلم انّ معلول هذه العلّة يجب أن يكون كذا وكذا من الأوصاف ، وهذه الأوصاف لا تكون إلاّ كلّية ، والأوصاف المخصّصة إذا كانت كلّية لا تفيد الجزئية وإن بلغت إلى غير النهاية.
والجواب : انّ العلم بالعلّة إذا كان حصوليا صوريا حاصلا من المخصّصات