الكلّية كان العلم المستفاد منها بعلّته أيضا كذلك ؛ وأمّا إذا كان العلم بالعلّة حضوريا اشراقيا حاصلا من حضور ذات العلّة عند العاقل كان ذلك علما بلوازمها ومقتضياتها الّتي هي من سنخ ذاتها على سبيل الحضور والانكشاف أيضا بخصوصياتها المعينة وأوقاتها المخصوصة ، فواجب الوجود بالذات لمّا كانت ذاته حاضرة عند ذاته وكان عالما بذاته بالعلم الحضوري الانكشافي كان جميع لوازمه ومقتضياته الّتي هي من سنخ ذاته حاضرة منكشفة لديه بخصوصياتها ولوازمها وعوارضها وأوقاتها من دون احتياج إلى ارتسام صورها ، ويعلم انّ كلاّ منها يكون في أيّ وقت موجودا عينيا وفي أيّ زمان يكون معدوما ، فتكون وجوداتها العينية أيضا منكشفة عنده ؛ فلا يعزب عنه شيء من انحاء ما من شأنه المعلومية عن علمه ـ سبحانه ـ.
على أنّك قد عرفت انّ الوجه الأوّل ـ أعني : كون جميع الأشياء بوجوداتها العينية حاضرة عنده سبحانه في الأزل ـ وإن لم يوجد بعد متحقّق في الواقع ونفس الأمر ، وبه يثبت علمه الحضوري الاشراقي بجميع لوازمه بخصوصياته المعينة ، وتكون الموجودات بأسرها ـ حاصلها وممكنها وأزليها وأبديها وكائنها وفاسدها ، كلّيها وجزئيها إلى اقصى الوجود ـ ظاهرة لديه منكشفة بين يديه وإن قطع النظر عن هذا الوجه.
ثمّ كلام المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم ظاهر في انّ السبب في عدم تغيّر علمه ـ تعالى ـ هو ما اخترناه من أحد الوجهين ، فانّه قال : « انّ الحكماء الظاهريين قالوا : إنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع الجزئيات على الوجه الكلّي لا على الوجه الجزئي ؛ فقيل لهم : لا يمكن أن تنكروا وجود الجزئيات على الوجوه الجزئية المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة يستند إلى الباري الّذي هو مبدئه وعلّته الاولى ، وعندكم انّ العلم التامّ بالعلّة / ١٧٣ DA / التامّة يستلزم العلم بمعلولها وإنّ علم الباري ـ تعالى ـ أتمّ العلوم ، فانتم بين أن تعترفوا بعلمه بالجزئيات على الوجوه الجزئية المتغيّرة وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدّمات المذكورة ، إذ من الممتنع أن يستثنى من الاحكام الكلّية العقلية بعض جزئياتها الداخلة فيها كما يستثنى من الاحكام النقلية بعضها ـ كتعارض