اشار المحقّق في كتاب التجريد بقوله : « ذاته يعلم الجزئيات على وجه كلّي » (١) ، أي : يعلم جميع الجزئيات بالكلّية بحيث لا يعزب عن علمه شيء منها.
قال بعض الأفاضل في شرح ما نقلناه من المحقّق من الكلام لبيان علمه بالجزئيات من غير لزوم تغيّر فيه : اعلم! ، أنّ تعلّق شيء بالزمان يكون على وجوه :
أحدها : أن يكون تجدّد أوضاع الفلك الراسم بحركته للزمان واقعا بالنسبة إلى ذات هذا الشيء سواء كان حدوثه و/ ١٧٤ MA / وجوده مشروطا بقطعة معينة من الزمان أو لا ، وبهذا الوجه يكون جميع الأجسام والجسمانيات ما عدا الفلك الراسم زمانية ؛
وثانيها : أن يكون التجدّد الراسم للزمان واقعا في أوضاعه ، وبهذا المعنى يكون الفلك الراسم زمانيا أيضا ؛
وثالثها : أن يكون حدوثه ووجوده متعلّقا بجزء معيّن من الزمان سواء كان تجدّد اوضاع الفلك الراسم بالقياس إلى ذاته أو لا ، وبهذا الوجه تكون جميع الحوادث ـ مادّية أو مجرّدة ـ زمانية. وتعلّق الشيء بالمكان إمّا بأن يكون أوضاع الأمكنة وجهاتها واقعا بالنسبة إلى ذاته ، أو بأن يكون وجوده لا بدّ أن يقع في المكان. ولا يتصور شيء يكون وجوده وحدوثه مشروطا بمكان من الامكنة إلاّ بالعرض ، فانّ المكان من اللوازم المتأخّرة من وجود الجسم بخلاف الزمان ، فانّه علّة معدّة لوجود الحوادث. فجميع الأجسام والجسمانيات ـ حادثة أو قديمة ـ تكون مكانية بالمعنيين ؛ بخلاف جسم كرة العالم الجسماني من حيث هو مجموع ، فانّه لا يتصوّر اختلاف جهات الأمكنة والأوضاع بالنسبة إليه ، فهو مكاني بالمعنى الثاني فقط ، وليس شيء من المجرّدات حادثة أو قديمة مكانيا بشيء من المعنيين.
إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ المدرك الزماني والمكاني إنّما يكون ادراكه بالآلة الجسمانية لأنّه من حيث هو زماني ومكاني لا يمكن أن يكون إلاّ جسما ، والجسم من حيث هو جسم ليس من شأنه الادراك وإلاّ لكان كلّ جسم مدركا ، بل لا بدّ أن تكون له قوّة من شأنها الادراك وتكون تلك القوّة لا محالة قائمة به ، وهذه القوّة هو المراد بالآلة
__________________
(١) ما عثرت على هذه العبارة في متن التجريد.