الجسمانية. وإنّما يجب / ١٧٤ DA / أن يكون المدرك بآلة جسمانية لا يدرك إلاّ ما هو حاضر في زمانه أو مكانه ، لأنّ المدرك لمّا كان ذا وضع ومكان وجهة فكذا مدركه لا بدّ أن يكون كذلك ، والزمانيات والكائنات مختلفة في الأمكنة والجهات بحسب القرب والبعد ، والادراك عبارة عن حصول المدرك عند المدرك ، فلا يمكن أن يكون جسم من الأجسام في أيّ مكان كان وفي أيّ جهة وعلى أيّ وضع وفي أيّ زمان حاضرا لجسم آخر كذلك بدون مناسبة خاصّة وقرب مخصوص ووضع معيّن لتحقّق الحضور الّذي به يتحقّق الادراك ؛ وذلك ظاهر ؛ وأمّا المدرك إذا لم يكن زمانيا ولا مكانيا بل متعاليا عن الزمان والمكان لا يكون اختلاف الأوضاع والأمكنة والجهات والأزمنة الواقعة في الزمانيات والكائنات كائنا بالنسبة إليه ـ تعالى ـ ، بل يكون كائنا فيما بينها ونسبة بعضها إلى بعض ، فلا يتصوّر لشيء عنها قرب بالنسبة إليه أو بعد ؛ فكل منها حاضر عنده غير غائب عنه بوجه من الوجوه. ولذلك كان مدركاتها دفعة واحدة ومرّة غير مستمرّة بلا تقديم وتأخير ويكون قرب بعضها إلى بعض وبعده عنه وكذا تقدّمه عليه وتأخّره عنه أيضا مدركا له ؛ انتهى.
وأنت إذا احطّت بكلام هذا المحقّق فلا أظنّك أن تشكّ في أنّ مراده من هذا الكلام هو ما اخترناه وقررناه ؛ فانّ قوله : « فانّه يكون محيطا بالكلّ عالما بأنّ أيّ حادث يوجد في ايّ زمان من الأزمنة ـ ... إلى آخره ـ » صريح في أنّ هذا العلم ثابت له دائما قبل ايجاد الحوادث وبعده ولا يمكن أن يكون ذلك عنده بالصور ، لأنّه أورد هذا الكلام لتصحيح علمه ـ تعالى ـ بالأشياء الجزئية على سبيل الجزئية وردّ ما ذكره الظاهريون من الحكماء من قولهم بعلمه بالجزئيات على سبيل الكلّية لا الجزئية ولو كان العلم الصوري مصحّحا لعلمه بالجزئيات من حيث هي جزئيات فالحكماء قائلون به ، فلم يرد عليهم ايراد حتّى يحتاج إلى ذكر هذا من عند نفسه ، بل كان له أن يوجّه قولهم بذلك ولا ينسبهم إلى الظاهرية.
ولا يقال : ما ذكره توجيه لكلامهم! ، لأنّه قال أوّلا : انّهم قالوا انّه عالم بالجزئيات على الوجه الكلّي دون الجزئي ، ومع ذلك ذكروا انّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ،