فحصل من ذلك التدافع في كلامهم ، ثمّ أورد هذا الكلام ـ الّذي مبناه على العلم الصوري ـ لتوجيه كلامهم ، فبين انّ العلم الحصولي يستلزم حضور جميع الأشياء له ـ تعالى ـ في الشهود العلمي بحيث لا يخرج عن علمه شيء منها لا كلّيا ولا جزئيا ؛ فانّ العلم الصوري وإن لم يستلزم حضور جميع الأشياء له ـ تعالى ـ دائما في الشهود العيني إلاّ أنّه يستلزم حضور صورها وأمثلتها جميعا بحيث لا يخرج عن علمه شيء منها ، فتكون جميعها حاضرة عنده في الشهود العلمي. وبعد بيان ذلك صرّح بأنّ غرض الحكماء حينئذ من قولهم : « انّه عالم بالجزئيات على الوجه الكلّي دون الجزئي » : انّه يعلم جميع الجزئيات بالكلّية بحيث لا يعزب عن علمه شيء منها.
لأنّا نقول : سوق كلامه يدلّ على أنّ هذا الكلام ممّا لم يقل به الحكماء ، ولذا نسبهم إلى الظاهرية. / ١٧٤ MB /
وأيضا كيف يمكن أن يجعل ما ذكره توجيها لمذهب الحصوليين مع أنّ العلم الحصولي الصوري القائم بالمجرّد لا يكون إلاّ صورة كلّية مجرّدة؟! ، إذ الصورة الجزئية المادّية لا تقوم إلاّ بالآلات الجسمانية مع انّه صرّح في كلامه بأنّه عالم بالجزئيات المادّية من حيث انّها جزئيات ، فلو كان علمه بها صوريا لزم كونه جسمانيا ـ تعالى عنه علوّا كبيرا ـ ؛ فلا يصحّ ما ذكره إلاّ على القول بالعلم الحضوري ، فانّ عند من يقول بأنّ علمه ـ تعالى ـ بالحضور لا يكون ادراك الجزئيات المادّية بالآلات الحسّية بالنسبة إليه ـ تعالى ـ ، فيصدق حينئذ إن ادراكها وانكشافها للواجب لا يكون بالآلات الجسمانية ، لأنّه ـ تعالى ـ يعلمها منكشفة بعين وجوداتها العينية ، لتعاليه ـ سبحانه ـ عن أن يدركها به.
قال بعض المشاهير : كلام هذا المحقّق صحيح في نفسه من أوّله إلى آخره ، وهو يوجب كونه ـ تعالى ـ عالما بالجزئيات بالكلّية ـ أي : جميعها ـ بحيث لا يعزب عنه ـ تعالى ـ شيء منها ، لا انه ـ تعالى ـ يعلم بعضها ويفوت عنه بعض آخر ـ كما هو شأن الممكن ـ. لكن في تأويل كلام الفلاسفة سيّما المتأخّرين إليه بحث من وجهين ؛ كما لا يخفى عند الرجوع إلى كلامهم.
قيل : الوجهان أوّلهما : انّ الظاهر المتبادر من كلام الحكماء سيّما المتأخّرين انّ الكلّي