شرح الرسالة ظاهر في ما اخترناه وهو خلاف سائر كلماته!. ومن كلماته الّتي لا تخلو عن المسامحة عند المحصّلين ما ذكره في شرح الاشارات بعد قول الشيخ : « فالواجب الوجود يجب أن لا يكون علمه بالجزئيات علما زمانيا حتّى يدخل فيه الآن والماضي والمستقبل » بقوله : « واعلم! ، انّ هذه السياقة تشبه سياقة الفقهاء في تخصيص بعض الأحكام العامّة بأحكام يعارضها في الظاهر ، وذلك لانّ الحكم بأنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول إن لم يكن كلّيا لم يمكن أن يحكم باحاطة الواجب بالكلّ ، وان كان كلّيا وكان الجزئي المتغير من جملة معلولاته أوجب ذلك الحكم أن يكون عالما به لا محالة. فالقول بأنّه يجوز أن يكون عالما به ـ لامتناع كون الواجب موضوعا للتغير ـ تخصيص لذلك الحكم الكلّي بحكم آخر عارضه في بعض الصور ، وهذا دأب الفقهاء ومن يجري مجراهم. ولا يجوز أن يقع أمثال ذلك في المباحث المعقولة لامتناع تعارض الاحكام فيها ». ثمّ قال : « فالصواب أن يؤخذ بيان هذا المطلوب من مأخذ آخر ، وهو أن يقال : انّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ولا يوجب الاحساس ، وادراك الجزئيات المتغيّرة من حيث هي متغيرة لا يمكن إلاّ بالآلات الجسمانية ـ كالحواسّ وما يجري مجريها من التخيل والتوهّم ـ ، والمدرك بذلك الادراك يكون موضوعا للتغير لا محالة. أمّا ادراكها على الوجه الكلّي فلا يمكن أن يدرك إلاّ بالعقل ، والمدرك بهذا الادراك يمكن أن لا يكون موضوعا للتغيّر ؛ فاذن الواجب الأوّل وكلّ ما لا يكون موضوعا للتغير بل كلّ ما هو عاقل يمتنع أن يدركها من جهة ما هو عاقل على الوجه الأوّل ، ويجب أن يدركها على الوجه الثاني » (١) ؛ انتهى.
ووجه المسامحة هو انّ ما ذكره في الصواب هو عين ما ذكره الشيخ ، فانّ مراد الشيخ من قوله : « يجب أن لا يكون علمه بالجزئيات علما زمانيا ـ ... إلى آخره ـ » ليس إلاّ نفي الإحساس واثبات علمه بالجزئيات / ١٧٦ DB / على سبيل الكلّية ، وهو أيضا نفى عنه الإحساس واثبت له العلم الكلّي ؛ فمأخذ الدفع هو التدافع. وحينئذ يرد عليه ما يرد على الشيخ من أنّ الجزئيات المتغيّرة من حيث أنّها متغيرة معلولة له ـ تعالى ـ و
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات ، ج ٣ ص ٣١٦.