في تنزيهه بالحقيقة » تسليم واعتراف لقول المعترض ـ وهو : انّه لو كان علمه تعالى بالجزئيات بوجه كلّى يلزم عدم علمه بها ـ.
وأجيب عنه : أنّه ليس في كلام المحقّق اعتراف بأنّ بعض معلولاته ـ تعالى ـ غير معلوم له ـ تعالى ـ ، بل مراده انّ الجزئيات المشخّصة معلومة له ـ تعالى ـ بالاطلاع الحضوري لا بالصور ولا بالآلات الجسمانية بأن يكون محتاجة إليها على نحو احتياجنا إليها. وأمّا الحضور والغيبة فهما معلومتان له ـ تعالى ـ بالنسبة إلى الممكنات بمعنى انّ الحضور والغيبة الّتي تتحقّقان لبعض الممكنات بالنسبة إلى بعض آخر فهما معلومتان له ـ تعالى ـ. وأمّا الحضور والغيبة بالنسبة إليه ـ تعالى ـ بأن يكون بعض الأشياء تارة حاضرا عنده ـ تعالى ـ وتارة غائبا عنه ـ تعالى ـ فممّا لا يتصوّران في حقّه ـ تعالى ـ ، إذ المراد بالحضور هنا هو حضور أمر من شأنه الغيبة وكلّ شيء عنده حاضر دائما ولا يغيب عنه قطّ ، فلا يتحقّق الحضور بهذا المعنى في حقّه ـ تعالى ـ كما لا يتحقّق الغيبة بأيّ معنى كان في حقّه ـ سبحانه ـ قطّ.
قيل : ويمكن أن يكون المراد من الحضور المنفي في كلامه هو الحضور في مكان المتكلّم أو زمانه ـ كما يعلم من قوله : « لأنّه ليس بزماني ولا مكاني » ـ على أن يكون المراد منه أنّه ليس له ـ تعالى ـ زمان أو مكان يختصّ به حتّى يقال هو ـ تعالى ـ ليس في غيره من الأزمنة. ومعلوم انّ الحضور بهذا المعنى ـ أي : كون الشيء حاضرا في مكانه تعالى أو زمانه ـ لا يتصور في حقه ـ سبحانه ، لتعاليه عن المكان والزمان المختصّين به ـ.
وأنت خبير بأنّ هذا القول مبني على عدم استواء نسبة جميع الأزمنة إليه ـ تعالى ـ ، بل المنفيّ عنه إنّما هو الزمان المخصوص به ويمكن أن يكون زمانيا / ١٧٧ DA / بمعنى كونه موجودا في جميع الأزمنة.
وأنت تعلم انّ هذا مخالف لما جوزنا من كونه متعاليا عن المكان والزمان مطلقا وكونه خارجا منها ، فالمراد بقوله : « ليس بزماني » انّه لا تعلّق له بالزمان أصلا وجميع الأزمنة عنده ـ تعالى ـ متساوية في عدم تعلّقه بها ، وليس المراد به ـ كما ظنّ ـ انّه ليس له زمان يختصّ هو به ، بل هو موجود في جميعها ، لأنّه إذا كان متعاليا عنه محيطا به