يختلف في كونها نسبة كذلك.
والحاصل انّ القواعد العقلية والنقلية وكلمات أساطين الحكمة متفقة الدلالة على أنّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ وغيره من المجرّدات الصرفة متعال عن الزمان ومحيط به ، وليس له ربط ونسبة إليه أصلا ، وقد تقرّر في الحكمة انّ نسبة المتغير إلى المتغير « الزمان » ونسبة الثابت إلى المتغير « الدهر » ونسبة الثابت إلى الثابت « السرمد » عند القائلين بأزلية المبدعات وقدمها ؛ وعند القائلين بحدوثها الدهري وعدم ازليتها فنسبة الثابت ـ أعني : الواجب ـ إليها أيضا « الدهر » ، وفي كلامهم تنصيصات بأنّ الشيء ما لم يكن فيه نحو من التغيّر لا يتصوّر له ربط بالزمان. مثلا الجسم بما هو موجود ليس له ربط بالزمان بل إنّما يتصوّر له ربط به باعتبار الحركة والسكون ـ الّذي هو عدم الحركة عمّا من شأنه الحركة ـ ، وبالجملة ما لم يقع الشيء في التغير لم يكن له ربط بالزمان. والثابتات الصرفة لمّا لم يتصوّر وقوعها في التغير فلا يتصوّر لها ربط بالزمان ، ولهذا قال الحكماء : انّ العقول فوق الزمان والمكان ؛
وكيف لا؟! والعقول فوق الفلك والزمان مؤخّر عن الحركة والحركة متأخّرة عن الفلك ، فيكون الزمان مؤخّرا عن العقول بمراتب ، فيكون العقول فوق الزمان متعالية عنه ، فيكون الواجب ـ تعالى ـ المتقدّم على العقول متعاليا عنه بطريق أولى ؛ وبهذا يظهر انّ كلام المعترض خارج عن قانون الحكمة ؛ هذا.
وقال العلاّمة الخفري ـ رحمهالله ـ في الجواب عن الايراد المذكور : انّ المراد من قول المحقّق : « نسبة جميع الأزمنة والأمكنة بالنسبة إليه ـ تعالى ـ نسبة واحدة مع أنّه ـ تعالى ـ غير مختصّ باحد من الازمنة والامكنة بل هو محيط على الجميع ولا يعزب عنه ـ تعالى ـ ما يوجد في أحد الأزمنة والأمكنة بل جميع الموجودات في الأزمنة والأمكنة حاضرة بذواتها عنده ـ تعالى ـ كلّ في وقته ومكانه والتغير انّما يكون في المعلومات والعلوم الّتي هي عينها وفي الحضورات الّتي هي النسبة بينه ـ تعالى ـ وبينها وليعلم انّ التغير في الحضورات إنّما هو باعتبار اختصاص كلّ حضور بزمان معيّن ومكان معيّن وان لم يكن فيها تغيّر باعتبار انها واقعة في الازمنة والامكنة كلّ في زمانه ومكانه