حاصل له بالفعل ـ إذ هو كامل باعتبار ذاته ـ.
وتقييد الكمال « بالمطلق » لخروج ما كان كمالا للموجود من حيث تقييده بشيء آخر ـ كالحركة ، فانّه كمال للموجود من حيث كونه جسما ـ ؛ ولخروج ما يكون كمالا في بعض الأزمان دون بعض ـ كالاحكام الشرعية ـ.
وهذا الدليل ـ كما ترى ـ يدلّ على علمه بذاته وبجميع ما عداه من الموجودات. ووجه الدلالة ظاهر.
ومنها : ما ذكره المتكلّمون وأورده بعض الحكماء أيضا ؛ وهو : انّه ـ سبحانه ـ فعل أفعالا متقنة محكمة ـ أي : خالية عن وجوه النقصان والخلل ـ مشتملة على غرائب المصالح والحكم ، وكلّ من كان كذلك فهو عالم ؛
أمّا الكبرى فظاهر بديهية ، وينبه عليها انّ من رأى خطوطا مليحة أو سمع الفاظا فصيحة ينبئ عن معان دقيقة واغراض صحيحة علم قطعا انّ فاعلها عالم ؛
وامّا الصغرى فلما ثبت انّه ـ تعالى ـ خالق جميع العالم من الافلاك والعناصر بما فيها من الجواهر والاعراض وانواع المعادن والنبات وأصناف الحيوانات على سياق وانتظام تحيّرت فيه ثواقب الأفهام وعلى اتقان واحكام تاهت فيه صوائب الاوهام من اشتماله على عجائب الحكم والمصالح وغرائب الفوائد والمنافع ووضع كلّ شيء في موضع يليق به واعطاء كلّ شيء ما يصلح بحاله بحيث تكلّ عن دركها العقول والافهام ولا يفي بتفاصيلها الدفاتر والاقلام ـ على ما يشهد به علم الهيئة وعلم التشريح وعلم الآثار العلوية والسفلية وعلم الحيوان والنبات ـ ، كما لا يخفى على من اتقن بصره في حقائق بواطن الأشياء وحدق نظره في دقائق مقارّ الأرض ومجارى السماء. وكلّ من يرى صنعة مشتملة على أشياء مختلفة موافق كلّ شيء لما يجب له موضوع كلّ واحد موضعه ـ ولو كان ذلك شيئا يسيرا ، كصورة حيوان منقوشة على ساحة ـ فانّه يعلم ضرورة من غير تأمّل وتوقّف انّ ذلك لم يصدر الاّ عن حي عالم ، فمثل هذا العالم الوسيع والكرسى الرفيع والسماء ذات ابراج والأرض ذات فجاج والشمس المضيئة المنيرة والقمر وتشكّلاته الهلالية والبدرية والأنجم الزاهرة من الثوابت والسيار واختلاف