الانكشاف كفر صريح إنّما نشأ من غطاء على البصيرة ؛ ولهذا حكم الغزالي وغيره بكفر القائل بذلك النفي ، فانّ واجب الوجود ـ تعالى ـ مبدأ لجميع الموجودات الكائنة والفاسدة ـ سواء كانت كلّية أو جزئية ـ ، فيصدر عنه ـ تعالى ـ منكشفة إذ لا مانع عن الانكشاف أصلا ، فانّ واجب الوجود يعلم بذاته كلّ موجود عيني وكلّ صورة حسية كائن أو عقلية بذاتها حين كونهما موجودين ، ولا يحتاج في ادراكه ـ تعالى ـ إلى الآلة. والعجب ـ كلّ العجب! ـ انّ هذا القائل صرّح بأنّ واجب الوجود مبدأ لكلّ وجود وبأن لا يعزب عنه شيء شخصيّ ومع ذلك حكم بأنّ المحسوس الموجود في الخارج غير حاضر عنده ـ تعالى ـ باعتبار الوجود العيني ـ تعالى من ذلك علوّا كبيرا ـ ، بل لا يعزب عنه شيء من الجزئيات / ١٨٠ MA / والكلّيات أصلا ـ لا باعتبار الوجود العيني ولا باعتبار الوجود الظلّي ـ. قال الله ـ تعالى ـ : ( وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) (١). فانّ قوله ـ تعالى ـ : « ما يعزب عن ربّك » اشارة إلى عدم الخفاء لذرّة من الذرّات باعتبار الوجود العيني ؛ وقوله ـ تعالى ـ : « ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين » اشارة إلى الحضور باعتبار الوجود العلمي المقدّم على الايجاد العينى ، فانّ جميع المتغيّرات المحسوسات بذواتها واجب الوجود في أوقات كونها موجودة في الأعيان ، والتغير في حضورها إنّما يكون تغيرا في النسبة والاضافة لا في الذات ؛ ولا محذور فيه ـ كما اشار إليه المحقّق الطوسي بقوله : « وتغيّر الاضافات / ١٨١ DA / ممكن » ـ ؛ انتهى.
أقول : ما ذكره من : « انّه يعلم من كلام الشيخ انّ الموجودات الكائنة الفاسدة لا تنكشف عنده ـ تعالى ـ إلاّ بالصور الكلّية » حق لا ريب فيه ؛ وكذا ما ذكره من « انّه يظهر من كلامه من أنّها لا تنكشف عنده ـ سبحانه ـ باعتبار وجودها العيني » ، لأنّ الجزئيات إذا كانت مدركة بالصور الكلّية المجرّدة ـ كما هو عند الشيخ وغيره من القائلين بالعلم الحصولي للواجب تعالى ـ ، يلزم عدم انكشافها عنده ـ تعالى ـ على النحو المتغير المتجدّد بحسب وجوداتها الخارجية. بل الظاهر من مذهب القائلين بارتسام
__________________
(١) كريمة ٦١ ، يونس.