هذا الاعتقاد.
ثمّ لا يخفى على أحد بأنّ عبارات الشيخ في كلامه المنقول هنا صريحة في كون علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات علما صوريا كلّيا ، وقد صرّح بأنّ علمه بها بوجه كلّي. وهذا الفاضل لم يأت في تصحيح ما ادّعاه إلاّ بالاستبعاد والطعن على أجلة الاذكياء الّذين حملوا كلام الشيخ على ما هو صريح فيه.
* * *
بقي الكلام في أنّ ما ذهب إليه الشيخ وأضرابه من الحصوليين من كون علمه بالجزئيات كلّيا وعدم علمه بها بوجه جزئي هل هو موجب للكفر أم لا؟ ، وهل يجوز تكفيرهم حينئذ أم لا؟.
فنقول : أوّل من حكم بكفر هؤلاء الحكماء القائلين بكونه ـ تعالى ـ عالما بالجزئيات بوجه كلّي دون جزئي وعدم انكشافها عنده ـ تعالى ـ بوجوداتها العينية الغزالي ، فانّه قال في تهافت الفلاسفة : « انّه يلزم على الحكماء بناء على القول بعدم علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات على الوجه الجزئية المتغيّرة أنّ زيدا مثلا لو أطاع الله أو عصاه لم يكن الله عالما بما يتجدّد من احواله ، لأنّه لا يعرف زيدا بعينه / ١٨١ MA / بأنّه شخص وأفعاله حادثة بعد أن لم يكن ، وإذا لم يعرف زيدا لم يعرف أفعاله وأحواله ، بل لا يعرف كفره واسلامه! ، بل إنّما يعرف انسانا واسلاما مطلقا كلّيا لا مخصوصا بالأشخاص. ويلزم على هذا أن لا يعرف محمّدا ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأن لا يعرف انّه أرسله بعينه بالنبوّة وانّه تحدّى بها وكذلك في كلّ نبي معيّن ، والله ـ تعالى ـ إنّما يعلم من الناس من يتحدّى بالنبوّة وإنّ صفة أولئك المتحدّين بها كذا ؛ وأمّا النبيّ بشخصه فلا يعرف بأحواله وصفاته ، فيلزم استبطال الشريعة بالكلّية » (١) ؛ انتهى.
وقد عرفت انّ العلاّمة الخفري ـ رحمهالله ـ أيضا وافق الغزالي في التكفير.
ثمّ انّ جماعة كثيرة من المتأخّرين تشمّروا لدفع التكفير عنهم ، فقال بعضهم : انّه
__________________
(١) راجع : تهافت الفلاسفة ، المسألة ١٣ ، ص ٢٣١.