لا ريب في أنّ ما نقل عن الحكماء ونسب إليهم يفضي إلى أن لا يكون له ـ تعالى ـ علم ببعض الأشياء ؛ ولكن مع ذلك لا يجوز تكفيرهم ، لأنّهم مع هذا اعترفوا بأنّه ـ تعالى ـ عالم بالكلّيات والجزئيات بحيث لا يعزب عن علمه ـ تعالى ـ مثقال ذرّة في الأرضين والسموات ، وما هو من ضروريات الدين ليس إلاّ انّه عالم بجميع الأشياء قاطبة ، لا انّ علمه ـ تعالى ـ على وجه كلّي أو جزئي. ولهذا لا يكفّر من اعترف بعلمه ـ تعالى ـ من المتكلّمين ويقول : انّ العلم قديم والتعلّق حادث ؛ أو يقول : انّ علمه ـ تعالى ـ اضافة مستدعية لأن يكون لها طرفان ولا يمكن أن يوجد أحد طرفيها في الأزل ، مع انّ قولهم هذا ملزوم لأن لا يكون الواجب ـ تعالى ـ عالما بالحوادث قبل وجودها ، لأنّ العلم ما لم يتعلّق بشيء لا يصير ذلك الشيء معلوما. وبالجملة إذا كان العلم اضافة مستدعية لوجود طرفيها ولم يكن في الأزل أحد الطرفين لم يكن العلم متحقّقا في الأزل ، فقولهم هذا يفضي إلى نفي العلم ومع ذلك لم يكفّرهم أحد! ؛ انتهى.
وأنت تعلم انّ أوّل هذا الجواب لدلالته على تسليم عدم علمه ببعض الأشياء ينافي ما بعده من التصريح بأنّه لا يخرج عن علمه مثقال ذرّة في الأرضين والسموات ، فان بني الأمر على ما يدلّ عليه أوّله ـ من خروج بعض الأشياء عن علمه ـ فلا ريب في كونه كفرا وزندقة ، وإن بنى الأمر على ما بعده فيرجع إلى التوجيهات الآتية ؛ وتعلم حقيقة الحال فيها.
ثمّ ما نقل عن بعض المتكلّمين تأييدا لعدم التكفير يمكن للمكفّرين أن يقولوا : انّ هذا البعض من المتكلّمين إن علموا فساد قولهم ـ وهو افضائه إلى نفي العلم عن الواجب قبل ايجاد الأشياء ـ ومع ذلك قالوا به فيجوز تكفيرهم أيضا ؛ وإن لم يعلموا ذلك فهو أمر آخر. وعلى هذا فيمكن أن يقال من قبل الحصوليين أيضا بأنّهم إن لم يعلموا انّ القول بعلمه بالجزئيات على وجه كمّي يفضي إلى نفي علمه ببعض الأشياء ؛ فلا يجوز تكفيرهم ، وإلاّ فيجوز.
ثمّ انّ أكثر المتأخّرين الدافعين التكفير عن الحكماء الحصوليين جزموا بأنّه لا يلزم على قولهم عدم معلومية بعض الأشياء له ـ تعالى ـ ، فالتكفير لا يتوجّه عليهم ؛ لأنّه إنّما