بحيثية ذاته الكاملة ، فعلمه بكلّ شيء عين ذاته ، فهو في مرتبة ذاته يكون محلاّ لحضور كلّ شيء. وهذا هو علمه بالحقيقة لا الأمور المفصّلة الخارجة عن ذاته ، لأنّها ليست كمالا له ـ تعالى ـ ؛ وعلمه من الصفات الكمالية ، فيجب كون علمه ـ تعالى ـ غير خارج عنه بحسب الحقيقة / ١٨٣ DA /. وإن قيل لهذه علوم تفصيلية يتعين أن يراد بها أمورا مفصّلة ومظاهر لما هو علم بالحقيقة ـ أعني : ذاته المقدّسة من كلّ نقصان ـ ؛ انتهى.
وقال بعض آخر : انّه لا فرق في تعلّق علمه ـ تعالى ـ بين الكلّي والجزئي في أنّ كلاّ منها إنّما هو بصورة كلّية تحتمل عند العقل الكثرة ، إلاّ انّ في الأوّل كما انّه يحتمل الكثرة عند العقل يصدق على الكثرة في الخارج أيضا ، وفي الثاني يحتمل الكثرة في العقل ولا يصدق على الكثرة في الخارج ، بل هذا المحتمل للكثرة عند العقل منحصر في الخارج في فرد ، فلا يعزب عن علمه شيء من الأشياء في نفس الأمر. وحاصله : انّه يعلم زيدا مثلا بعنوان كونه ماهية انسانية محفوفة بمجموع عوارض كلّ واحد من تلك العوارض معلومة بماهية كلّية ، والصورة المعقولة من مجموع تلك العوارض وإن كانت كلّية إلاّ أنّها في نفس الأمر منحصرة في شخص هو زيد بعينه. لأنّ ضمّ كلّي إلى كلّي وإن لم يفد الشخصية لكن قد يفيد الانحصار في شخص ، وكذا يعلم عمروا بعنوان كونه ماهية انسانية محفوفة بمجموع عوارض أخرى كلّ واحد منها كلّي والمجموع من حيث هو مجموع كلّي أيضا ، إلاّ انّه منحصر في الواقع في شخص ، وهذا المجموع وإن امكن كونه مشاركا لذلك المجموع في كثير من العوارض إلاّ أنّ هذا المجموع من حيث هو مجموع غير ذلك المجموع. من حيث هو مجموع وقس على ذلك كلّ جزئي من جزئيات الجواهر والأعراض ؛ وإلى ذلك أشار الشيخ بقوله : « ومع ذلك ـ أي : مع كون علمه بالجزئي على نحو كلّي ، أي : بحسب امكان فرض العقل ـ لا يعزب عنه شيء شخصي ـ أي : بحسب نفس الأمر والواقع ـ.
والحقّ انّ هذا النحو من العلم بالجزئيات أمر ممكن بحيث لا يفوت منه ـ تعالى ـ جزئي من الجزئيات ومثقال ذرّة في الأرض والسموات ، ولا نقص فيه بحسب الكمية ـ كما زعمه الجمهور وشنعوا عليهم به ـ ، إلاّ أنّه لكونه علما صوريا حصوليا لا انكشافيا