حضوريا فيه نقص عظيم من حيث الكيفية ؛ انتهى.
وغير خفي بأنّ مآل جميع هذه التوجيهات إلى شيء واحد ، وهو انّ العلم الحصولي وإن كان نقصا بحسب الكيفية ـ نظرا إلى أنّ الحضوري أقوى ، لايجابه انكشاف الأشياء بوجوداتها العينية ؛ بخلاف الحصولي ، لأنّه لا يعلم به إلاّ صور الأشياء ـ إلاّ انّه لا يوجب التكفير ، لأنّه لا نقص فيه بحسب الكمية ، لأنّه لا يخرج عنه شيء من الأشياء ويعلم به جميع الأشياء كلّياتها وجزئياتها ؛ ولا أنّ نحو المعلومية فيه ـ أعني : في الحصولي ـ أنقص من نحو المعلومية من الحضوري الانكشافي. واعتقاد انّ علمه ـ تعالى ـ بوجه أنقص لا يوجب التكفير ، لأنّ ما هو من ضروريات الدين أنّ الواجب يعلم جميع الأشياء ، لا أنّ علمه على نحو أقوى. وإلى ذلك اشار بعض الموجّهين حيث قال : « إنّما يلزم الكفر لو لزم غروب شيء من الأشياء عنه ـ تعالى ـ في نفس الأمر ، وقد علمت انّه لا يلزم ذلك. وما هو من ضروريات الدين ـ الّذي يلزم من انكاره كفر ـ / ١٩٨٢ MA / هو كونه ـ تعالى ـ عالما بجميع الأشياء ؛ وأمّا خصوص كيفية نحو من انحاء العلم فلم يشتبه على أحد عدم كونه من ضروريات الدين. وظاهر انّ النزاع في كون العلم حضوريا أو حصوليا نزاع في كيفية العلم لا في أصله ، فالغزالي وأمثاله لمّا توهّموا من ظاهر كلامهم انّه ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات على النحو الكلّي وانّه ـ تعالى ـ لا يعلم الجزئيات من حيث هي متغيرة وانّهم قائلون بكونه ـ تعالى ـ عالما بطبائع الجزئيات ومفهوماتها الكلّية لا لشيء من ذواتها حملهم ذلك على تكفير هؤلاء ، وذلك افتراء عليهم وتوهّم من كلامهم. وأمّا من لم يتوهّم ذلك من كلامهم فلا ينبغي له تكفيرهم بمجرّد انكار نحو من أنحاء العلم وكيفية من كيفياته ، وان صحّ تخطئتهم ؛ انتهى.
وأنت خبير بأنّ ما ذكره هؤلاء الأعلام من عدم خروج شيء من علمه لم يأتوا فيه ببيان يظهر منه حقيقة الحال ، ولم يتعرّضوا لدفع ما ذكره المكفّرون لخروج بعض الأشياء عن علمه. فلا بدّ من ذكر ما أورده المكفّرون لخروج بعض الأشياء عن علمه ، ثمّ نقل ما قيل في دفعه ؛ ثمّ تحقيق ما هو الحقّ.
فنقول : انّ من ادّعى انّه يلزم على القول بالعلم الحصولي خروج بعض الأشياء