عن علمه احتجّ بأنّ تصوّر الماهيّة إنّما يمنع فرض الشركة بواسطة أمر مخصوص منضمّ إليه ـ وهو المسمّى « بالتشخّص » ـ ، ولمّا لم يدرك ذلك الأمر المخصّص كان المدرك كلّيا. وإذا ادرك وقيد الماهية النوعية صار المدرك جزئيا ، فعلمه ـ تعالى ـ بالجزئيات على الوجه الكلّي مبني على عدم علمه بالمخصّص. ويؤكّد ذلك أنّ الحكماء يمنعون حصول صور الجزئيات المادّية للمجردات ، فيلزم على قولهم نفي علمه ـ تعالى ـ بالأشخاص المادّية. قال المحقّق الدواني فيما أضاف على الحواشي القديمة في مبحث / ١٨٣ DB / التشخّص بعد تقرير مذهب الجماعة القائلين بزيادة التشخّص على الماهية في الخارج : ثمّ انّ هذا الامر ـ يعنى : الأمر الّذي يسمّونه تشخّصا ـ في الماديات يكون مادّيا لا محالة ، فيلزم أن لا يحصل العلم بها للمبادي العالية. وهذا هو منشأ التشنيع على الحكماء ، لانّهم ينفون علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات ؛ انتهى.
وغرضه انّ منشأ لزوم علمه ـ تعالى ـ بالشخص انّما هو مادّيته ، اذ لو لم يكن مادّيا لم يلزم على الحكماء عدم عمله ـ تعالى ـ به وإن لم يكن له ماهية كلّية ، لانّه يجوز ادراك المجرد للمجرد من حيث هو جزئي ، والاحساس انّما هو بطريق ادراك الجزئيات المادية. فاذا فرض أنّ هذا الشخص المشخّص ـ بزعم المتأخّرين مجرّد لا يلزم عدم علمه ـ تعالى ـ به على زعم الحكماء. فقولهم : انّه ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات على الوجه الكلّي لئلاّ يلزم الاحساس المختصّ عندهم بالجزئيات المادّية ، فلذلك قال الدواني : « إنّ هذا الأمر يكون مادّيا » حتّى يلزم على الحكماء عدم علمه ـ تعالى ـ به.
ثمّ انه قد اجاب عن الاحتجاج المذكور بعض من متعصبى الفلاسفة ـ كالمحقّق الدواني وصدر المحقّقين ـ : بأنّ تحقيق مذهبهم انّ مناط الكلّية والجزئية بنحو من الادراك لا التفاوت في المدرك ، فهم يثبتون علمه ـ تعالى ـ بجميع الأمور الممكنة الموجودة بحيث لا يشذّ عنه شيء عن الأشياء ولا يعزب عن علمه ـ تعالى ـ مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء. ولكن علمه ـ تعالى ـ بها بوجه كلّي لا يمنع الشركة ، فكلّ ما ندركه نحن بطريق الاحساس كالتخيل فهو مدرك له بطريق التعقّل. مثلا إذا علّمت لمخاطبك ما علمته بالحسّ وقلت مثلا قطرة ماء متقدّرة بالمقدار الكذائي في