الأين الفلانى إلى غير ذلك حتّى يدرك المخاطب قطرة ماء متصفة بجميع الصفات الّتي ادركت القطرة متصفة بها في الحسّ ، فتصوّرك للقطرة المذكورة يمنع الشركة وتصوّر مخاطبك لا يمنع عنها مع انّ المتصوّر واحد. فلا تفاوت بين ادراكنا للجزئيات وادراكه ـ تعالى ـ لها ، إلاّ أنّ ادراكنا بطريق الاحساس وادراكه بطريق التعقّل. وكما أنّ كثيرا من الصفات في حقّه نقص وان كان ذلك في غيره ـ تعالى ـ كمالا ، كذلك الادراك التخيلى مثلا نقص في حقّه ـ تعالى ـ. فهم لا ينفون علمه ـ تعالى ـ بشيء من الأشياء ، بل ينفون عنه التخيل والاحساس مع اثبات ادراكه ـ تعالى ـ جميع المحسوسات والمتخيلات ، ولا يثبتون في الأشخاص المادّية ما ليس له ماهية كلية حتّى لا يمكن ادراكه بطريق التعقّل. ومن البيّن انّه لا يتعلّق بهذا القدر تكفير ، سواء تمّ دليلهم على ذلك أو لا ، وسواء طابق الواقع أو لا ؛ انتهى.
وأورد على هذا الجواب : بأنّ القول بأنّ التفاوت بين الكلّي والجزئي ليس إلاّ بنحو الادراك لا التفاوت في المدرك مخالف لما نصّ عليه الشيخ في الشفا حيث قال : وامّا طبيعة النوع وحده فما لم يلحقه أمر زائد عليه لا يجوز أن يقع فيه كثرة. ثم قال بعد ذلك : بأنّ قولنا الانسان معناه انّه حيوان ناطق وقولنا انسان شخصي هو هذه الطبيعة مأخوذة مع عرض يعرض لهذه الطبيعة عند مقارنتها للمادّة ؛ انتهى.
ولا ريب فى أنّ قوله : « واما طبيعة النوع وحدة ... إلى آخره » إلى البرهان على أنّه بين الكلّي والجزئى فرقا بحسب المعنى ، لأنّ تكثّر النوع بالأشخاص إنّما يتصوّر بعد انضمام العوارض المشخّصة إلى ذلك النوع ، وإلاّ يلزم أن يكون احد الشخصين عين الشخص الآخر. مثلا إذا لم يكن بين الانسان وبين زيد تفاوت إلاّ بنحو من الادراك فلم يكن بين زيد وعمرو تفاوت بحسب المعنى أصلا ، فيكون كلّ أمر في زيد ثابتا لعمرو أيضا ثابتا ، وهذا يوجب رفع الاثنينية ؛ وهو باطل. فلا بدّ من انضمام العوارض إلى النوع ليحصل تكثّر الاشخاص. فانكشف لذلك أنّ / ١٨٨ MB / القول بأنّ مناط الكلّية والجزئية بنحو من الادراك لا التفاوت في المدرك باطل.
ولو استدل عليه بأنّه إذا سئل عن الشخص بما هو لا يقع في الجواب إلاّ النوع