إلى حقيقة الحال فيها ، ثمّ نشير إلى ما هو الحقّ في المقام. فقال ـ رحمهالله ـ بعد كلامه المذكور : وفي الجملة لا خفاء في أنّ الممكنات المتغيّرة ـ الّتي هي معلومات بذواتها ـ والحوادث المتغيرة إن كانتا معلومتين بذاتهما للواجب الوجود بالذات لزم التغير في علمه ـ تعالى ـ المتعلّق بهما في الشهود العيني ، والفلاسفة يتحاشون عنه ؛ وإن لم يكونا معلومين له ـ تعالى ـ إلاّ بالعرض ـ أي : بالعلم المقدّم على الايجاد ـ لزم أن يعزب عنه شيء باعتبار الوجود العينى ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ ، وهذا هو الّذي يتعلّق به كفرهم ؛ انتهى
وأنت خبير بأنّه إذا لم يكن تفاوت بين الموجود العيني والمدرك الذهني إلاّ في نحو الادراك على ما هو زعم المؤوّلين لا يلزم عزوب شيء أصلا ، فالمهمّ في ردّ كلامهم إنّما هو اثبات انّ التفاوت بين الكلّية والجزئية ليس بمجرّد نحو من الادراك ، وقد عرفت انّ ما ذكره هذا العلاّمة حينئذ لاثبات ذلك ليس تامّا.
ثمّ ما ذكره من أنّ الممكنات المتغيّرة والحوادث المتغيّرة إن كانتا معلومتين بذاتيهما / ١٨٥ DA / لواجب الوجود بالذات لزم التغيّر في علمه ، قد عرفت انّه مبني على ما ذهب إليه هذا العلاّمة من أنّ مناط انكشاف الأشياء للواجب هو وجوداتها العينية ، ولذا التزم التغيير في علمه ـ سبحانه ـ ، وقال : لا فساد فيه ـ لأنّه تغيّر في الاضافات ـ ، وقد نسب ذلك إلى المحقّق الطوسي أيضا. وعلى ما اخترناه وقرّرناه من أنّ مناط علمه ـ سبحانه ـ ليس هو وجودات الأشياء بل مناط علمه بذاته وتغيّر ذاته من معلولاته هو علمه بذاته وحضور ذاته / ١٨٣ MB / عند ذاته فلا يلزم من انكشاف الأشياء بماهياتها وجزئياتها عنده ـ تعالى ، بالوجه الّذي قررناه ـ تغيّر وتبدّل في علمه ـ سبحانه ـ وإن لزم التغيّر في المعلولات.
نعم! ، لو كان علمه ـ تعالى ـ هو نفس وجودات الأشياء المعلومة المتغيّرة ـ كما اختاره هذا العلاّمة ـ لزم التغيّر في علمه ، بل لزم أن يكون علم الواجب ممكنا لا واجبا ؛ ولزم أيضا أن يكون علمه ـ تعالى ـ زائدا على ذاته ، وقد عرفت انّ ذلك باطل ، فانّ الصفات الكمالية له ـ تعالى ـ يجب أن يكون عين ذاته.