ثمّ ما ذكره من أنّه إذا كانت معلومة بالعلم المتقدّم على الايجاد تكون معلومة بالعرض : غرضه إنّ الأشياء إذا كانت معلومة بالعلم الصوري المتقدّم ـ كما هو مذهب الفلاسفة ـ يلزم كون الحوادث المتغيّرة الموجودة في الخارج معلومة بالعرض ، لكون المعلوم بالذات حينئذ هو صورها الكلّية. وغير خفيّ بأنّه على ما ذكره هذا العلاّمة من أنّ مناط الانكشاف بالذات هو وجودات الأشياء ويكون الأشياء معلومة بالذات حين الوجود لا قبله يلزم أن يكون الأشياء معلومة بالعرض أيضا بالعلم المتقدّم على الايجاد وإن كان هذا العلم المتقدّم حضوريا ، لأنّه يكون علما إجماليا ـ كما صرّح به ـ ، وأمّا على ما اخترناه من انّ مناط علمه ـ تعالى ـ ليس وجودات الأشياء ـ بل هي لغو في مناطية الانكشاف ـ وانّما مناطه هو ذاته وعلمه بذاته ، فتكون الأشياء معلومة بالذات بالعلم المتقدّم الحضوري التفصيلي ، ويكون علما فعليا مقدّما ، وليس فيه تغيّر وتبدّل ولا يكون له علم انفعالي أصلا.
ثمّ قال العلاّمة : وأيضا ذلك ـ أي : عزوب شيء عن علمه ـ ينافي قولهم من أنّ انكشاف العلّة عند ذاتها مستلزم لانكشاف معلولها عندها ، فقول هذه الجماعة المؤوّلين ـ من انّه انّما يتّجه تكفيرهم في ذلك لو قالوا بأنّ بعض الأمور ليس معلوما له تعالى عن ذلك ... إلى آخره ـ إن كان في العلم المقدّم على الايجادات العينية لورد عليهم انّ كلام المتأخّرين في التكفير ليس إلاّ في العلم الّذي هو مع الايجادات ، فكون المشخّص بذاته ـ أعني : المخصّص الّذي ينضمّ إلى الماهية ليتشخّص وهو المسمّى « بالتشخص » ـ متحقّقا في الاشخاص المادّية لا يوجب خروجه عن متعلّقات هذا العلم الّذي هو عبارة عن الحضور ، بل الحاضر بذاته ؛ لما عرفت من أنّ العلم التفصيلي للواجب ليس عبارة عن نفس الحضور بل عبارة عن الحضار بذاته والحضور لازم له ، لما تقدّم من أنّ العلم التفصيلي للواجب هو الموجودات الخارجية. وإذا لم يلزم خروج هذا الشخص عن متعلّق هذا العلم ممّن اعتقد بخروجه يلزم خروج بعض الأمور عن علمه ، ولا ريب في أنّ ما صرّح الفلاسفة في علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات من امتناع تعلّق علمه بما لا ماهية له كلّية يوجب خروج هذا المشخّص عن علمه ؛ فالقول بأنّ الفلاسفة قائلون بعدم خروج شيء