وثانيهما : المعلوم الّذي يقارنه ما سواه لكن مقارنة غير مؤثرة ـ أي : غير موجبة للمادية ـ ، وأمّا كالنفس الناطقة فانّها وإن كانت مقارنة لما سواها إلاّ انّ مقارنتها ليست له مقارنة موجبة لمادّيتها ، فتكون مجرّدة ؛ وكالطبيعة الموجودة في الأشخاص ، فانّها مع مقارنتها بالأمور المادّية يمكن تجريدها عنها وجعلها معقولة ، فانّ هذه المقارنة لا تجعلها مادية صرفة بأن لا تبقى لها جهة مجرّدة ، وهي الطبيعة من حيث هي.
ثمّ ما ذكره هذا العلاّمة هاهنا قد ظهر حاله ممّا سبق.
ثمّ قال بعد هذا الكلام : وأيضا ظهر حال قولهم ـ أي : قول المؤوّلين ـ : « بل ينفون عنه التخيل والإحساس مع اثبات ادراكه ـ تعالى ـ لجميع المحسوسات والمتخيلات » ، فانّه إن اريد باثبات ادراك المحسوسات والمتخيلات ادراكها باعتبار الحضور العيني ، ورد عليهم إنّهم / ١٨٤ MB / لم يثبتوا ذلك ـ كما يعلم من التأمّل فيما نقل عن صاحب الشفا ، وفيما قاله في الاشارات وهو قوله : « فالواجب الوجود يجب أن لا يكون علمه بالجزئيات علما زمانيا حتّى يدخل فيه الآن والماضي والمستقبل فيعرض لصفة ذاته انّ تغيّر ، بل يجب أن يكون علمه بالجزئيات على الوجه المقدّس المتعالي عن الزمان والدهر » ؛ وقوله قبل القول المذكور : « ثمّ ربما وقع ذلك الخسوف الجزئي ولم يكن عند العاقل الأوّل احاطة بانّه وقع أو لم يقع وان كان معقولا له على النحو الأوّل ، لأنّ هذا ادراك آخر جزئي يحدث مع حدوث المدرك ويزول مع زواله » ، وهذا القول كفر صريح ـ تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ـ. وبهذا وما نظيره ـ كالقول بقدم العالم ـ حكم الغزالي بكفر قائله ؛
وإن اريد ادراكها ـ أي : ادراك المحسوسات والمتخيلات ـ باعتبار اثبات صورتها الظلية لا باعتبار حضور ذاتيهما بحسب الوجود العينى ، ورد عليه ما ورد على اختيار الشق الأوّل ـ أعني : لزوم عدم علمه بالموجودات من حيث انها موجودات عينية ـ ، وهذا كفر. وأيضا يظهر حال قولهم : « ولا يثبتون في الأشخاص المادّية ما ليس له ماهية كلية حتّى لا يمكن ادراكه بطريق التعقّل » ، فانّ هذا الكلام ـ سواء كان مطابقا للواقع أو لا ـ لا دخل له فيما حكم الغزالى وغيره بكفر قائله ـ كما مرّ ـ ، فانّ منشأ التكفير ليس إلاّ