عبارته المفتتحة بالاشارة على بيان ما يكون لغير الواجب ـ أعني : العقول والنفوس من قسمي العلم ـ ، وعبارته المفتتحة بالتذنيب على بيان انّ علم الواجب علم غير زماني مقدّس عن التغير لكونه حاصلا من العلل والأسباب لا لكونه حصوليا كلّيا ، فقال في شرح العبارة الاولى : الغرض من هذه الاشارة بيان انّ العلم الجزئي المتغير بالقياس إلينا لا بالقياس إلى الواجب يتصوّر على قسمين :
أحدهما : العلم بالجزئي المتغير بوجه لا يكون متغيرا ، وذلك إذا عقل الجزئي بالوجه الكلّي لا بالوجه الجزئي ، مثل أن يعقل المنجّم اسباب الحوادث المعينة فيحكم انّ تلك الحوادث تقع في أزمنة معينة وانّما يعقل المنجّم نكتا باسباب / ١٨٧ DA / والحوادث بوجه كلّي منحصر في فرد ، لأنّه يجوز أن يكون بدل كلّ من تلك الأسباب والحوادث شخص آخر مثله ، فلا يعقل إلاّ بوجه كلّي منحصر في الفرد. وذلك العلم يكون ثابتا أبد الدهر كلّه ، ولا يتغيّر أصلا ؛
وثانيهما : العلم بالجزئي بالوجه الجزئي ، وهذا لا يحصل إلاّ بالمشاهدة ، ولهذا بعد ما حكم المنجّم بأنّ الحادث الكذائي يكون في الوقت الكذائي يحصل له علم آخر انفعالي حادث جزئي يتغيّر بتغير المعلوم.
ويؤيّد ما ذكرناه ـ من : أنّ مراد الشيخ بيان قسمي العلم بالنسبة إلى غير الواجب ـ ما ذكره بقوله : « واحاطة العقل بها » ، وقوله : « ونعقلها كما نعقل الكلّيات ». ووجه التأييد انّ هاتين العبارتين ظاهرهما هو بيان حال العقل والنفس في ادراك الجزئيات المتغيّرة وبيان انّ الواجب لا يعلم الجزئيات المتغيّرة إلاّ بالوجه الكلّي دون الجزئي ، وفائدة بيان حال العقل والنفس هنا في العلم بالجزئيات المتغيّرة هي أن تشير إلى انّه كما انّ العقل له علم غير متغير بالقياس إلى الجزئيات الغير المتغيّرة كذلك للواجب علم بالجزئيات المتغيّرة من حيث أنّها جزئيات كعلم العقل بها من حيث عدم التغيّر ، لا مطلقا ـ أي : لا من حيث الكلّية أيضا ـ ، فانّ العقل لا يعلم الجزئيات المتغيّرة بوجه جزئي إلاّ بالآلات الجسمانية ، بخلاف الواجب ـ تعالى ـ فانه يعلم الجزئيات المتغيّرة من حيث انها جزئيات متغيرة ، لا بالآلات الجسمانية ، بل من جهة الاحاطة بجميع العلل و