الأسباب ـ على ما عرفت سابقا ـ. فقول الشيخ : « ولم يكن عند العاقل الأوّل احاطة بأنّه وقع أو لم يقع » ليس معناه : انّ الواجب ليس له احاطة بأنّه وقع أو لم يقع حتّى يلزم الكفر العقلي والشرعي معا ، بل المراد من « العاقل الأوّل » هو العاقل الّذي يعلم الجزئيات المتغيّرة بوجه كلّي لا بوجه جزئي ، وذلك العاقل هو « العقل » أو « النفس ». فالعاقل الأوّل في عبارة الشيخ عبارة عن العقل أو النفس المدركين للجزئيات المتغيّرة بوجه كلّي لا بوجه جزئي ، لا انّه عبارة عن الواجب ـ تعالى ـ أو عن الأعمّ عنه ـ تعالى ـ وعن العقل والنفس حتّى يتّجه التكفير.
ثمّ قال في شرح العبارة الثانية المفتتحة بالتذنيب : مقصود الشيخ انّ الواجب ـ تعالى ـ لمّا كان محيطا بجميع العلل والأسباب المسلسلة المنتهية إلى الجزئيات المتغيّرة بشخصيتها يكون كلّ واحد من الجزئيات المتغيّرة معلوما له ـ تعالى ـ بالوجه الجزئي ، لكن على الوجه المقدّس العالي عن الزمان والدهر ، لأنّ العلم الّذي يكون زمانيا يكون علما انفعاليا وعلم الواجب ـ سبحانه ـ لا يكون إلاّ فعليا ، فالزمان فيه معلول له ـ تعالى ـ ومعلوم له ـ تعالى ـ ، فعلم الواجب منزّه عن أن يكون زمانيا. فليس في علمه كان وكائن ويكون ، بل علمه بالأشياء بعد تكوّنها كعلمه بها قبل تكوّنها ؛ ولا يدخل كان وكائن ويكون إلاّ في علوم الممكنات.
وبالجملة ادراك الجزئيات المتغيّرة بالوجه الجزئي يتصوّر من وجهين :
أحدهما : من طرق الحواسّ ـ كما هو بالنظر إلينا ـ ؛
وثانيهما : من جهة الاحاطة بجميع الأسباب والعلل المتسلسلة المنتهية إلى تلك الجزئيات. والواجب ـ تعالى ـ محيط بالكلّ لان الكلّ معلول له ، فيعلم الجزئيات المتغيّرة على الوجه الجزئي من جهة الاحاطة بجميع الأسباب. وهذا القسم من العلوم يكون أتمّ العلوم وأكملها ، ويكون متعاليا عن الزمان والدهر.
وليس مقصوده انّه ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات المتغيّرة بالوجه الكلّي الّذي لا يتغيّر ولا يعلمها بالوجه الجزئي المتغير ، والاّ يلزم التغيّر في علمه ـ على (١) ما يتوهّم من ظاهر
__________________
(١) الاصل : ـ على.