في الخارج سوى ذلك الجعل فكذلك يجعلها في الخارج بحيث يمتنع اشتراكها بين كثيرين فيه ، وينتزع منها العقل باعتبار هذه الحيثية التشخّص بدون أن يكون لذلك الانتزاع منشئا في الخارج سوى ذلك الجعل ؛ ولهذا ذهب بعضهم إلى أنّ الوجود والتشخّص أمر واحد بالذات متغاير بالمفهوم والاعتبار ، وعلى هذا يكون التشخّص نحو الوجود المحقّق في الخارج ، وما به التشخّص لا يكون إلاّ نفس كون الماهية مرتبطة بجاعلها الحقّ المشخّص بذاته ارتباطا خاصّا بها ، كما أنّ ما به الوجود ليس إلاّ كونها مرتبطة بجاعلها الموجود بنفس ذاته كذلك. وامّا العوارض المكتنفة بالشّخص فليس إلاّ أمارات للتشخص. وأمّا المادّة والمادّيات فليست إلاّ معدّة للماهية لقبول الارتباطات المختلفة بالجاعل الحقّ ، فالشخص ليس إلاّ الماهية المجعولة المرتبطة بجاعلها على وجه خاصّ. فالعقل إذا اعتبر الماهية من حيث هي هي بدون هذا الارتباط الخاصّ يجوّز اشتراكها بين كثيرين بأن يكون لها في الخارج انحاء ارتباطات بالجاعل ، فهي من هذه الحيثية تكون كلّية مشتركة بين كثيرين واعتبرت في الخارج مرتبطة بالجاعل بارتباط خاصّ لا يجوز ذلك الاشتراك ، فهي من هذه الحيثية تكون جزئيا حقيقيا وشخصيا ، فمناط الجزئية والكلّية هو ذلك الارتباط الخاصّ وعدمه ، فكل ماهية واقعة في الخارج ومرتبطة بالجاعل بما هي واقعة فيه ليست إلاّ جزئيا حقيقيا ممتنعا فرض اشتراكه بين كثيرين ـ سواء ادركت أو لا ـ ، ولا يكون كلّيا إلاّ إذا ادركت واعتبرت من حيث هي هي.
وإذا علمت ذلك فاعلم! : انّ جماعة من المحقّقين ـ كالمحقّق الدواني وصدر المحقّقين وأمثالهما ـ زعموا أنّ تشنيع المتأخّرين على الحكماء في نفيهم علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات على الوجه الجزئي واثبات علمه ـ تعالى ـ بها على الوجه الكلّي مبني على زعم الجماعة الاولى القائلين بزيادة التشخّص على الماهية في الخارج ، لأنّه لا شبهة في أنّ علمه إذا كان على النحو الكلّي دون الجزئي لا يخرج عنه التشخّص والتشخّص إذا كان أمرا زائدا على الماهية في الخارج فيصدق أنّ بعض الأمور الحقيقية الخارجية خارج عن علمه. قال المحقّق الدواني في مبحث التشخّص في حواشيه القديمة بعد تقرير مذهب القائلين بزيادة التشخّص : ثمّ إن ذلك الأمر ـ أعني : الأمر الّذي يسمّونه تشخّصا ـ في المادّيات يكون