ثمّ قد أجيب عنه بوجهين :
أوّلهما : انّ العلم تابع للمعلوم ، فلا يكون علّة له ومفيدا لوجوبه.
وأورد عليه : بأنّه لا يلزم من كون العلّة تابعا وغير علّة وغير مفيد للوجوب أن لا يكون الحادث واجبا ـ لجواز استناد وجوبه إلى أمر آخر ـ ، كيف لا وقد دلّ البيان على وجوبه؟! ، ولا بدّ له من علّة. ونفي العلّة المخصوصة لا يدلّ على نفي العلّة مطلقا.
وحاصله : انّ المستدلّ جعل علمه ـ تعالى ـ واسطة بالنسبة إلى الوجوب لا واسطة للثبوت ، فنفي كون علمه علّة لا يضرّ المستدلّ ، إذ هو لا يدّعي انّ علة وجوبه علمه / ١٩٠ DA / ـ تعالى ـ ، بل جعل علمه دليلا على وجوبه بمعنى أنّ تعلّق علمه بحدوث الحادث يدلّ على وجوبه وتحقّق علمه لهذا الوجوب من دون تعيين لهذه العلّة ، ولا يلزم من كون الشيء دليلا كونه علّة ، فنفي العلّية المخصوصة لا يضرّ المستدلّ. وبهذا اشار بقوله : « ودلّ البيان على وجوبه » ؛ فلا يتوهّم انّ كلام المورد منع على المنع ، بل مطلوبه انّ منع المجيب غير مضرّ.
ثمّ البيان الدالّ على وجوبه هو : انّه لو لم يجب وجود المعلوم على الوجه الواقع في الوجود لزم جهله ـ تعالى ـ وانقلاب علمه إلى الجهل ، فيتحقّق بهذا البيان وجوب الحادث ـ سواء كان علّته العلم أم لا ـ ، فانتفاء الخاصّ لا يوجب انتفاء العامّ.
ويمكن أن يكون البيان الدالّ هو ما تقرّر وبيّن من أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فالحوادث الموجودة قد صارت واجبة البتّة.
وقد أورد على الجواب المذكور أيضا : بأنّ العلم الّذي يكون تابعا للمعلوم هو العلم الانفعالي ، لأنّ العلم الفعلي لمّا كان سببا للمعلوم فيكون المعلوم تابعا له دون العكس ؛ وأمّا العلم الانفعالي لم يكن سببا للمعلوم / ١٨٨ MA / بل مسبّبا عنه ، فيكون تابعا له. مع أنّه قد تقرّر انّ مناط علم الواجب ـ سبحانه ـ بذاته وبجميع الأشياء ليس إلاّ ذاته بذاته ، فعلمه فعلي وليس له علم انفعالي ، فالقول بأنّ علمه ـ تعالى ـ تابع للمعلوم لا وجه له أصلا ؛ فعلمه بالأشياء ليس إلاّ علما فعليا. وعلى هذا فما قيل من أنّ العلم تابع للمعلوم يمكن أن يقال : ليس المراد بالتابعية الانفعال ، بل المراد بها ما ذكره العلاّمة الطوسي في