بحث الأعراض من التجريد (١) من : أنّ المراد بالتابعية هو أصالة المعلوم في التوازن والتطابق بمعنى انّه إذا أوجد العلم من حيث انّه حكاية عن المعلوم والمعلوم محكي عنه فيكون المعلوم بهذا الاعتبار أصلا والعلم تابعا له ، لأنّ الحكاية تابعة للمحكيّ عنه. وهذا المعنى لا ينافي كون العلم سببا في نفس الامر للمعلوم ، لانّ اعتبار الحكاية غير اعتبار العلية.
ثمّ توهّم كون علمه ـ تعالى ـ فعليا منافيا للقدرة قد تعلم جوابه من المباحث السابقة.
وقد ظهر بما ذكر انّ الوجه الأوّل للجواب عن الشبهة المذكورة ليس بصحيح.
وثانيهما : انّ الوجوب الغيري لا ينافي الامكان الذاتي ، فالحوادث ممكنة لذواتها وواجبة لغيرها. وإلى هذا الجواب اشار المحقّق الطوسي في التجريد بقوله : « ويمكن اجتماع الوجوب والامكان باعتبارين » (٢). وهذا الجواب هو الصحيح ، وحاصله : انّ التالي المذكور في الشبهة غير باطل ، لجواز اجتماع الوجوب بالغير والامكان في ذاته ، إذ لا تنافي بينهما ، إنّما التنافي بين الوجوب بالذات والامكان.
ثمّ الغير ـ الّذي هو العلّة لوجوب الحوادث ـ هو العناية والعلم بالاصلح مطلقا عند من يستند (٣) جميع الموجودات إليه ـ سبحانه ـ ؛ وأمّا عند من قال : انّ افعال العباد ليست معلولة لعلم واجب الوجود ـ تعالى ـ وواجبة باقتضائه ففي تعيين علّة وجوب الحوادث تفصيل ذكره بعض المشاهير ، وهو أن يقال : الحادث إمّا فعل العبد ، أو لا ؛ ووجوب القسم الثاني إنّما نشأ من علم الواجب بالمصلحة ، ووجوب القسم الأوّل انّما نشأ من الأسباب الّتي من جملتها اختيار الفاعل ؛ فلهذا قال المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم : « فالذي ينظر إلى الأسباب الأول ويعلم انّها ليست بقدرة الفاعل ولا بإرادته يحكم بالجبر ـ وهو غير صحيح مطلقا ، لأنّ السبب القريب للفعل هو قدرته وارادته ـ ،
__________________
(١) راجع : الفصل الخامس من المقصد الثاني ؛ كشف المراد ، ص ١٥١.
(٢) المسألة الثانية من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٢.
(٣) الاصل : + جميع.