العكس فممنوع ؛ الاّ انّه لا ينفع في شيء ، إذ اثبات انّ ما هو قائم بذاته عالم بذاته بهذه المقدّمة مصادرة ، إذ قبل اثبات انّه عالم كيف يسلّم انّه مدرك؟.
وبهذا يظهر اختلال ما في كلامه ممّا فرّعه على المقدّمات الّتي ابطلناها. فظهر انّ حمل كلامه المنقول على الوجه الثاني ـ أعني : دعوى الاتحاد بين الوجود في نفسه والوجود الرابطي ـ أمر بيّن الوهن ظاهر الفساد. ولذا أكثر من صرّح من المتأخّرين بهذا الكلام ذكره على الوجه الاوّل ـ أعني : كون وجود المعقول من حيث هو معقول وكون وجود المحسوس من حيث هو محسوس عين وجودهما للعاقل وللجوهر الحاسّ وعين المعقولية والمحسوسية ـ.
قال بعض الأعاظم : لمّا ثبت انّ المعقول من حيث هو معقول وجوده في نفسه وجوده للعاقل ومعقوليته شيء واحد بلا اختلاف وكذا المحسوس من حيث هو محسوس وجوده في نفسه ووجوده للجوهر الحاسّ ومحسوسيته شيء واحد من غير تفاوت فما وجوده لغيره لا يكون معقولا لذاته ـ كالصورة الجمادية ـ ولا محسوسا لذاته ـ كالبصر واللمس وسائر المدارك الحسّية ـ ، / ١١٨ MA / ولذا لا يحسّ بذواتها. ولو فرضنا المعقول قائما بذاته كان وجوده لذاته نفس معقوليته لها وصار عقلا وعاقلا ومعقولا ، كما لو فرضنا المحسوس مجرّدا عن الموادّ كان وجوده لذاته نفس محسوسيته لها ، فصار حسّا وحاسّا ومحسوسا ـ كما صرّح به بهمنيار وغيره من الحكماء ـ ؛ انتهى.
بقى الكلام في انّ الحمل على الوجه الأوّل أيضا لا ينفع في شيء أصلا ولا يثبت به المطلوب مطلقا. بيان ذلك : انّ المراد من الوجه الأوّل هو انّ الوجود في نفسه للمحسوس من حيث هو محسوس وللمعقول من حيث هو معقول ـ أي : المحسوسية والمعقولية ـ هو الوجود للمدرك ، وهذا كان مطلوبا في الوجه الثاني أيضا ، لانّا قد ذكرنا في تحرير الوجه الثاني انّ المقدّمة الثانية في كلام بهمنيار ـ أعني : قوله : وكان وجوده لمدركه نفس محسوسيته ومعقوليته ـ اشارة إلى دعوى أخرى هي اتحاد الوجود للمدرك مع المحسوسية والمعقولية ، وحينئذ / ١١٢ DA / فما اوردناه على هذه المقدّمة الثانية يرد على الوجه الأوّل.