والثاني : أن يكون حياة الشيء معنى زائدا على وجوده ، كحياة الانسان فانّه ما لم ينضمّ إلى الجسم النفس لم يوصف ذلك الجسم بأنّه حيّ ، لأنّه إن كان وجود الجسمية هو حياته لكان كلّ جسم حيّا ، وقد عرفت إنّ إنّيته ـ تعالى ـ حياته ، فانّ إنّيته هي كونه بحيث يصدر عنه افعال الحياة » (١) ؛ انتهى.
أقول : لا ريب في أنّ الحياة ما هو مبدأ ومنشأ للأفعال والآثار الصادرة عن الحيّ من العلم والقدرة والحسّ والحركة وغير ذلك. وهذا المعنى في الحيوان صفة زائدة على ذاته ، وأمّا في الواجب ـ تعالى ـ فالمبدأ ليس إلاّ ذاته ، لأنّ ذاته بذاته يعلم ويفعل ، فذاته حياته. قال بعض المشاهير : قد مرّ إنّ الوجود الحقيقي ما يكون الشيء باعتباره موجودا ، فواجب الوجود لمّا كان باعتبار ذاته موجودا كان وجوده الحقيقي عين ذاته ، وكذلك الحياة الحقيقية فانّها ما يكون الشيء باعتباره حيّا. ولمّا كان ذات الواجب باعتبار ذاته حيّا كان الحياة عين ذاته ؛ وكذا حال باقي الصفات / ١٨٩ MA / الحقيقية من العلم والإرادة وغيرهما ، فانّهما عين ذاته ـ تعالى ـ ولا تغاير بينهما إلاّ بالاعتبار ـ كما لا يخفى ـ ؛ انتهى.
وما أشار إليه من معنى عينية الصفات هو المذهب الحقّ ـ على ما تقدّم في بعض كلماتنا ـ. وهذه المسألة ـ أعني : مسئلة عينية الصفات ـ وإن لم يكن هنا موضع بيانها إلاّ أنّ هذا القائل وبعض أخرى لمّا تعرّض لبيانها هنا فلا بأس بأن نتعرّض لها نحن أيضا.
فنقول : المذاهب المعروفة في تصحيح عينية الصفات ثلاثة :
الأوّل : ما أشار إليه هذا القائل هنا ، وهو المذهب الحقّ المنصور. وبيانه : إنّ ذاته ـ تعالى ـ مصدر جميع الصفات ومحض ذاته بذاته منشأ الجميع ومناطه ومصحّحه ، بل هو فرد لكلّ واحد من الصفات قائم بذاته ، وليس له صفة زائدة على ذاته ـ كما فينا ـ ؛ فانّه ـ سبحانه ـ وان وصف بالحياة والعلم والجود والقدرة والإرادة وامثالها لكن ليس ذلك لأجل اتصافه بها من حيث انّها معان متميّزة فيه ، بل من حيث انّه ـ تعالى ـ بمحض ذاته البسيطة الواحدة الحقّة الّتي هي صرف الوجود الخالص البحت منشأ
__________________
(١) راجع : التحصيل ، ص ٥٧٩.